لكن تغيَّر الحزب الحاكم في فلسطين المحتلة لا يفسر بتاتاً زيادة أو قلة الأعداد المهاجرة، ذلك لأن نقاط الاختلاف بين حزب صهيوني وآخر لا تعني المهاجر الصهيوني كثيراً، وإنما تفسرها حركيات تقع خارج نطاق الإرادة الصهيونية أو اليهودية. فهي تفسر على أساسين رئيسيين لا ثالث لهما، عناصر الطرد من البلد الأصلي وعناصر الجذب في إسرائيل. وعناصر الطرد هي حجم المشاكل التي يجابهها اليهود في البلاد التي يعيشون فيها أو في تلك التي يفكرون في الهجرة إليها، فإن زادت المشاكل وتضخمت زادت الرغبة في الهجرة (هتلر في ألمانيا ـ الضغوط الاقتصادية في الاتحاد السوفييتي ـ إغلاق باب الهجرة إلى الولايات المتحدة) . وتتمثل عناصر الجذب في أن يكون الكيان الصهيوني متمتعاً بقدر من الاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي، وهو ما حدث بعد المساعدات الاقتصادية الألمانية، وبعد حرب ١٩٦٧، حيث انهالت المساعدات المالية من يهود العالم ومن الولايات المتحدة على الكيان الصهيوني، وحيث تم ضم أراض شاسعة تُعَدُّ مجالاً حيوياً يتحرك فيه المستوطنون ويجنون ثمراته.
وعناصر الطرد في الوطن الأصلي يمكن أن تكون من القوة بحيث يصبح أي مكان آخر عنصر جذب. ولكن، مهما كان الأمر، فإن الدافع وراء الهجرة الصهيونية أبعد ما يكون عن الصهيونية. فالحركة الصهيونية قد جعلت الهجرة إلى أرض الميعاد لتأسيس دولة صهيونية فكرة محورية. وقد ادعى الصهاينة أن الهدف الحقيقي من إنشاء الدولة الصهيونية هو إيواء المهاجرين، ولكن الواقع يبين أن الهدف الحقيقي هو إنشاء دولة وظيفية لحماية المصالح الغربية، ولذا فإن المهاجر اليهودي إن هو إلا أداة، جزء من الحائط المقام للدفاع عن الدولة الإسرائيلية، وهو حائط بشري من لحم ودم وليس حائطاً من حجارة، على حد قول بن جوريون.