ومع هذا، فقد كانت القومية العربية أحياناً تفرض نفسها على الإدراك الصهيوني فرضاً كدافع محرك للجماهير العربية. وهنا، كان الصهاينة يتبنون إستراتيجيتين أخريين هما في جوهرهما تعبير أكثر حذقاً وصقلاً عن محاولة تهميش العربي ونزع الصبغة السياسية عنه. أما الأولى، فهي الاعتراف الجزئي بالطبيعة القومية للثورات الفلسطينية مع تفسيرها تفسيراً يجردها من مضمونها الإنساني ويفصلها عن الحركات القومية المماثلة فتصبح بالتالي قومية ناقصة لا تستحق أن تحصل على أية حقوق. والقومية العربية، حسب هذا الإدراك، إن هي إلا قومية مصطنعة تابعة للإنجليز وللقوى الخارجية وعميلة لهم. كما أن الصهاينة كانوا أحياناً يرون القومية العربية مجرد رد فعل للاستيطان الصهيوني ليست لها وجودها الحقيقي، ومحاولة لسلب الصهيونية ليست لها دينامية ذاتية مستقلة. وكان الصهاينة العماليون يصفون القومية العربية بأنها قومية رجعية، أو كما قال حاييم أرلوسوروف فإنهم قومية تهيمن عليها قوى الرجعية الاجتماعية والطغيان السياسي ولم تبرز داخلها قيادات سياسية مثل صن يات صن أوغاندي.