ومن أهم هذه السمات أن الاقتصاد الاستيطاني يعطي الأولوية للاعتبارات الاستيطانية على أية اعتبارات أخرى، بمعنى أنه في حالة تعارُض مقتضيات الرشد الاقتصادي (القائمة على حساب التكلفة الاقتصادية والمردود الاقتصادي) مع النشاط الاستيطاني فإن الأولوية لا تكون للاعتبارات الاقتصادية وإنما لضرورات الاستيطان. وأهم هذه الضرورات الأمن والبقاء المادي، وهذا أمر مفهوم تماماً، فالاعتبارات الاقتصادية تعبير عن الرغبة في النجاح الاقتصادي، بينما يرتبط الأمن بوجود الجيب الاستيطاني نفسه، والنجاح الاقتصادي يأتي في المرتبة الثانية بعد البقاء المادي. ويرتبط بالبقاء المادي البقاء الإثني أو الحضاري والاجتماعي وهو يعنى أن جماعة المستوطنين تود الحفاظ على نفسها كجماعة بشرية مستقلة ذات خصائص مستقلة.
وهذا الاستقلال الإثني والاجتماعي مرتبط تمام الارتباط باستمرار جماعة المستوطنين باعتبارها جماعة غازية متفوقة عسكرياً تقوم باستغلال السكان الأصليين وإبادتهم إن لزم الأمر. فهذا الاستغلال يصبح الأساس المعنوي والخلقي الذي يُولِّد الديباجات العنصرية ويبرر عمليات القتل والغزو، وهو يحل مشكلة المعنى بالنسبة للمستوطنين. ولذا تقوم جماعة المستوطنين بعزل نفسها عن السكان الأصليين وتلجأ لشعائر اجتماعية مركبة وقوانين مباشرة لتحقيق هذا الهدف.
والبُعدان (الأمني والثقافي) ليسا منفصلين بأية حال فهما وجهان لعملة واحدة. فالاستقلال الثقافي والحضاري وما يؤدى له من عزلة وما يصاحبه من عمليات استغلال وقهر للآخر تستجلب العداء الذي يؤدي إلى تفاقم المشكلة الأمنية. وتؤدي المشكلة الأمنية بدورها إلى تعميق العزلة الثقافية فالاجتماعية.