ولا يمكن في الواقع إدراك أبعاد هذه الأزمة إلا في إطار خاصيتين أساسيتين حكمتا أداء الاقتصاد الإسرائيلي عبر مراحل تطوره المختلفة منذ إنشاء الدولة. ويمكن إجمالهما فيما يلي:
١ - هيمنة الأيديولوجيا على الاقتصاد وإعطاء الاعتبارات المتعلقة باستيعاب المهاجرين وبناء الدولة أولوية عن الاعتبارات الاقتصادية المحضة. كل هذا يفسِّر من ناحية التضخم المفرط في الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية الأساسية اللازمة لاستيعاب المهاجرين والاستيطان خلال مرحلة النمو السريع للاقتصاد الإسرائيلي (١٩٥٤ - ١٩٧٣) ، ويفسِّر من ناحية أخرى عجز حكومة الليكود الأولى عن خفض العجز في الميزانية نظراً لتزايد الإنفاق الحكومي لتمويل النشاط الاستيطاني، ثم الحرب في لبنان.
كما تظهر هذه المشكلة بجلاء في التناقضات التي تحتويها عناصر الأجندة الاقتصادية للائتلاف الحاكم، وما تعهد به من الاستمرار في الاستيطان، وعدم المساس بمخصصات التعليم ومخصصات المعاشات في الوقت الذي سيتم فيه خفض الضرائب وتقليص العجز في الموازنة العامة. ومن الواضح أن تنفيذ هذه التعهدات التي تعني زيادة النفقات العامة وخفض الإيرادات العامة في وقت واحد وهو أمر مستحيل من الناحية العملية. كل هذا يعكس تخبط الائتلاف الحاكم بين الاعتبارات الاقتصادية التي تحتم خفض العجز في الموازنة وبين الاعتبارات السياسية ومطالب الأحزاب الأعضاء في الائتلاف.
٢ - ارتبطت فترات النمو في الاقتصاد الإسرائيلي بالأساس ببتدفقات البشر (عن طريق الهجرة) والأموال (عن طريق المعونة) ، أو العمل ورأس المال بالتعبير الاقتصادي من الخارج، فيرى الاقتصادي الإسرائيلي يورام بن بورات أن ٧٥% من النمو الذي شهده الاقتصاد الإسرائيلي تم بفضل المعدلات المرتفعة لنمو عوامل الإنتاج (رأس المال والعمل) و٢٥% منه فقط بسبب التحسن في الكفاءة الإنتاجية.