ويُقدِّم عضو الكنيست السابق الصحفي أوري أفنيري قراءة ذكية لتاريخ الدولة العبرانية في الماضي وتاريخ الدولة الصهيونية في الحاضر، فيبين أن قيامهما لم يكن يستند إلى قوتهما الذاتية وإنما إلى ضعف الشعوب القاطنة في فلسطين (الكنعانيين في الماضي والعرب في الحاضر) . ثم يذكر أفنيري أن ما يدفع الصهاينة ويقرر حركتهم ليس الدافع العقائدي (الآخذ في الضمور) وإنما موازين القوى وحسب. ومن ثم، فإن العقيدة الصهيونية ليست سوى مسوِّغ يتلو "خلق الحقائق الجديدة". ولذا، فإنه يتنبأ بأن التوسع الصهيوني لن يتوقف ما دام هناك فراغ بسبب الغياب العربي، ويتنبأ بأن هذا التوسع سيستمر حتى يتخطى حدود إسرائيل الكبرى نفسها إذا سنحت الفرصة، أي أن القوة الذاتية الصهيونية (لا الأوهام العقائدية) هي التي تحدِّد مدى التوسعية الصهيونية.
إن كون إسرائيل كياناً توسعياً في جوهرها يجعلها لا تعدم الذرائع والمبررات المختلفة للتوسع، بل إن هذه الذرائع تصير ضرورة لتسويغها التوسع وإضفاء نوع من الشرعية الشكلية عليه. وعندما تلوح الفرصة (المتمثلة في ميل موازين القوى بمعناها الشامل لصالحها) لتوسيع الحدود يتم اتخاذ الوسائل التي تحقق ذلك، فالفكرة الصهيونية قائمة على التوسع والاستيلاء على الأرض.