إلا أن نظرية "الحدود الآمنة" ظلت رغم فشلها تحتل في الإستراتيجية الإسرائيلية مركزاً مهماً باعتبارها التبرير الوحيد لاحتفاظ إسرائيل بالأراضي المحتلة. ويبدو بشكل واضح أن هذه النظرية أصبحت جزءاً من الإستراتيجية السياسية الإسرائيلية أكثر من كونها جزءاً من العقيدة العسكرية، فقد تحوَّلت "الحدود الجغرافية" الآمنة إلى "حدود سياسية" آمنة، فأصبح من المهم لأمن إسرائيل أن تتدخل في شأن كل بلد عربي سواء كان مجاوراً لها أو غير مجاور ومن المحيط إلى الخليج، باعتباره بؤرة معادية لها. وهكذا يصبح مفهوم الأمن الإسرائيلي مزدوجاً، فهو مفهوم سياسي بمعنى أن لإسرائيل الحق في إبداء رأيها في أية مشكلة تخص العالم العربي كله باعتبار أن هذه تؤثر في أمن إسرائيل، ومفهوم جغرافي بمعنى أن لإسرائيل الحق في الوصول إلى "حدود آمنة ومُعترَف بها" وأنها وحدها تحتفظ بحق تحديد هذه الحدود ورَسْمها.
وقد لحقت تطورات مهمة بمفهوم الحدود في الفكر الصهيوني وتتمثل أهم هذه التطورات في ازدياد أهمية الصواريخ الباليستية باعتبار أنها تُضعف أهمية الحدود الطبيعية والعمق الإستراتيجي. ولكن أهمية هذا المتغير ليست حاسمة لدى جميع التيارات الصهيونية، كما برزت مفاهيم مثل "المنطقة الأمنية" في جنوب لبنان، و"المنطقة منزوعة السلاح" في سيناء، والمفاوضات على جعل الجولان منطقة منزوعة السلاح، وذلك مقابل تخفيض حجم ونوع الجيوش العربية، وفي الواقع فليس هناك ما يمنع الجيش الإسرائيلي من اجتياز تلك المناطق إذا اقتضت الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية.
وتكشف هذه التطوُّرات عن وجود اقتناع إسرائيلي بأن إسرائيل لن تكون آمنة سواء احتفظت بالأراضي أو تخلت عنها، وأن أية حدود لن تكون آمنة إن لم تكن نابعة من اعتراف وتسليم عربيين بوجود إسرائيل في المنطقة. وهذا ما لم يتم حتى الآن لأن إسرائيل قائمة على الأُسس والمبادئ الصهيونية.