لقد أدى تراكم هذه التطورات إلى إحداث تشويه قطاعي في الاقتصاد الفلسطيني، حيث انكمش القطاع الصناعي وتراجع القطاع الزراعي، حتى أن حصة الصناعة والزراعة في مطلع التسعينيات كانت لا تتعدى ٣٥% من الناتج القومي الإجمالي، مع أن متوسط حصة هذين القطاعين في البلاد النامية تزيد عن ٥٠%.
وبذلك تمكنت السياسة الإسرائيلية من تغيير بنية الاقتصاد الفلسطيني ليصبح تابعاً للاقتصاد الإسرائيلي وغير قابل لتكوين الأرضية الضرورية لدولة مستقلة. ولكنها، مع هذا، لم تتمكن من تحقيق هدفها الآخر الذي يتمثل في خلق ظروف اقتصادية في الأراضي المحتلة تساعد في إضعاف حوافز مقاومة الاحتلال. فانبعثت سياسة تفكيك الصلة بين الدخل الفلسطيني والإنتاج الفلسطيني، وفي الواقع فإن زيادة الدخل لم تتناقض مع التخريب البنيوي للاقتصاد ما دامت تلك الزيادة تأتي من مصادر خارجية. بل إن زيادة الدخل بالطريقة التي تمت بها أثناء الاحتلال شكلت آلية لإضعاف القطاعات الإنتاجية، فالعمالة الفلسطينية في إسرائيل تعمل بأجور أعلى من الأجور المتاحة في الاقتصاد الفلسطيني وهو ما أضعف القطاعات الإنتاجية عبْر رفع تكلفة الإنتاج وتغيير هيكل الأسعار بصورة غير ملائمة للإنتاج.
لقد اعتمدت إسرائيل مجموعة من السياسات لتحقيق هدف إضعاف مقاومة الاحتلال عبر زيادة الدخل، فقامت بتشجيع اليد العاملة الفلسطينية على العمل داخل إسرائيل، واتبعت سياسة الجسور المفتوحة مع الأردن ليتمكن الفلسطينيون من تصدير بضائعهم إلى الأردن ومنه إلى العالم العربي، وكي يتمكن أصحاب الخبرات والمثقفين من السفر والعمل في الأردن وأقطار الخليج العربي.