ظهر اتجاه داخل النظام السياسي للدولة الصهيونية يتبنى مقولة أن اعتماد التفوق العسكري وحده لا يُلبِّي مطامع إسرائيل في التحوُّل إلى قوة إقليمية لها دورها وحضورها الشرعي في المنطقة، وأن على إسرائيل أن تهيئ نفسها لترتيب اتفاقات "سلام" مع الدول العربية المجاورة، تقوم على تجاوز القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، لأن المصالح الاقتصادية الهائلة المستجدة ستؤدي إلى تذويب هذه المشكلات. وهذه هي المقولة الأساسية التي يستند إليها النظام العالمي الجديد: إن الإنسان كائن اقتصادي دوافعه اقتصادية ومطامحه اقتصادية، وإن الاختلافات الاقتصادية يمكن حلها، وإن خَلْق مصالح اقتصادية مشتركة بين الدول يجعل شعوبها تنسى أفكاراً بالية مثل السيادة والكرامة القومية. وبهذه الطريقة يحاول النظام العالمي الجديد أن يحوِّل العالم إلى سوق واحدة كبيرة لا تعرف الحدود، تمر فيها الشركات عابرة القارات والقوميات دون أن يعوقها عائق وتستطيع أن تبيع سلعها لمستهلكين يتسمون بالعمومية ولا يكترثون بالحدود القومية أو فكرة السيادة أو الحدود أو الأحلام الإنسانية المتجاوزة للمادة، أي أن يظهر الإنسان الطبيعي في كل أنحاء العالم (وهذه هي قمة الترشيد المادي وهذه هي العولمة الحقة) . وبهذه الطريقة يقضي النظام العالمي الجديد على كل أشكال المقاومة داخل العالم الثالث ويمكن أن يقوم بتفكيك الشعوب دون أن يضطر إلى اللجوء للمواجهة، التي أصبحت مكلفة بل مستحيلة.