١ ـ من المعروف أن المجتمعات التقليدية تتسم بأن العلاقات بين أعضائها قوية ومباشرة (ربما لدرجة خانقة من منظورنا الفردي الحديث) . فكل فرد يعرف بقية أعضاء المجتمع معرفة وثيقة إذ تربطهم علاقات تراحمية تستند إلى القرابة والجوار والانتماء المشترك والمصالح المعنوية والمادية المشتركة. ويجب أن نتذكر أن معظم الوحدات الاجتماعية في المجتمعات التقليدية كانت في الماضي وحدات صغيرة جداً، تتسم بقدر عال من التماسك، ويسيطر على أعضائها إحساس عميق بقداسة المجتمع الذي ينتمون إليه (فهو عادةً يستند إلى إيمان بمطلق متجاوز أو حالّ كامن) . وكانت المدن الكبرى نفسها مقسمة إلى وحدات صغرى. وكان أسلوب الإدارة في المجتمعات التقليدية، وضمن ذلك الإمبراطوريات العظمى، لا يتعامل مع الأفراد مباشرةً ولا مع الوحدات الكبرى وإنما مع وحدات ومؤسسات وسيطة. ويظهر الإحساس بقداسة المجتمع وبأعضائه في عدد كبير من الشعائر الخاصة بالمحرَّم والمباح، والتي تشكل إطاراً يتحرك المجتمع داخله ويتماسك من خلاله. وداخل مثل هذا الإطار، يصبح من المستحيل تقريباً التحلي بالموضوعية والحياد تجاه بقية أعضاء المجتمع، ويصبح من الصعب بمكان نزع القداسة عنهم والتصرف نحوهم بحرية كاملة وإخضاعهم للقوانين (الواحدية المادية) العامة مثل قوانين العرض والطلب وتعظيم المنفعة واللذة وتغليب المصلحة الشخصية المادية على الهدف الاجتماعي والأخلاقي الأكبر.