إن مفهوم إسرائيل للسلم هو أنه وسيلة لأن تستوعب في النظام الإقليمي بحيث يصير الوجود الصهيوني بجانب الوجود العربي في كل ما له صلة بإدارة المرافق الإقليمية حقيقة قائمة وثابتة ودائمة، بحيث يتعود العالم العربي على التعامل المباشر مع العنصر الإسرائيلي. هذه هي المقدمة الأولى لإمكانية التغلغل في الاقتصاد الإقليمي وتوجيه خيرات المنطقة نحو المصالح الصهيونية. ولعل هذه الناحية هي التي تفسر كيف تسير السياسة الإسرائيلية بهذا الخصوص بتدرج متتابع من مبدأ خطوتين إلى الأمام وخطوةإلى الخلف. والواقع أن إسرائيل تعلم بأن مستقبلها من حيث التقدم الاقتصادي يتوقف على فتح أبواب التعامل المباشر مع المنطقة العربية. فهي لذلك تسعى لخلق سوق مشتركة إقليمية تقوم على مبدأ التعاون المباشر بين التكنولوجيا الإسرائيلية والعمالة المصرية ورأس المال العربي.
هذه السياسة ستحقق ثلاثة أهداف في آن واحد:
١ ـ هي مقدمة لاستيعاب النظام الإقليمي العربي، ومن ثم فبدلاً من أن يبتلع الجسد العربي الكيان الصهيوني تستوعب إسرائيل الجسد العربي من خلال التحكم في شرايينه الحيوية.
٢ ـ كذلك فإن هذه السياسة منطلق أساسي للسيطرة. فعقب السيطرة الوظيفية من خلال التحكم في الشرايين والمفاصل تأتي السيطرة الاقتصادية بفضل الاستجابة لمتطلبات الحياة اليومية من حيث الاستهلاك وتقديم الخدمات، وجميع هذه المداخل لابد أن تفرض التبعية السياسية.
٣ ـ هذه السياسة لن تحدث نتائجها في التعامل مع الجسد العربي فقط بل كذلك مع كل من يريد التعامل مع ذلك الجسد. ومن ثم تصير هذه السياسة، وقد أضحت قوة ضاغطة، لا في مواجهة أوربا الغربية فقط بل كذلك في مواجهة الولايات المتحدة، وهو ما سوف يخلق وضعاً يفرض على أية قوة كبرى تريد أن تتعامل مع المنطقة أن تتعامل أولاً وأساساً من خلال الإرادة الإسرائيلية.