ورغم أن أعضاء هذا الشعب اليهودي منتشرون في أنحاء الأرض وسيأتي كل واحد منهم حاملاً هوية حضارية مختلفة، فإنهم سيتم صهرهم في بوتقة واحدة ليصبحوا شعباً واحداً بحق (وهذا الجانب من الإستراتيجية الصهيونية هو مجرد ادعاءات أيديولوجية براقة تُستخدَم في الدعاية. وقد تم إسقاطها تماماً من الخطاب الصهيوني في السبعينيات ولم يَعُد لها من صدى إلا في كتابات بعض المتزمتين الهامشيين) .
وبما أن المستوطنين الصهاينة سيعيشون في بيئة معادية لهم، فإنهم كجماعة بشرية لابد أن يحققوا تفوقاً اقتصادياً (صناعياً وزراعياً) وأن يؤسسوا قاعدة تكنولوجية عصرية لتحقيق الاكتفاء الذاتي. ولابد أن يتمتع المستوطنون بمستوى معيشي مرتفع لضمان بقائهم حسب الشروط الصهيونية ولضمان بقاء الدولة الصهيونية (داخل حدودها التي لم يتم تحديدها) وحتى يمكن إغراء المزيد من المهاجرين للقدوم إليها. ويتطلب المشروع الصهيوني توثيق العلاقة مع يهود العالم باعتبارهم مصدراً أساسياً من مصادر الدعم السياسي والمالي والمادة البشرية الاستيطانية.
هذه هي رؤية الذات، أما بالنسبة لرؤية الآخر، فالعالم بالنسبة للصهاينة يشكِّل دائرتين حضاريتين أساسيتين متعارضتين وإن تداخلتا جغرافياً. أما الدائرة الأولى فهي العالم الغربي الذي يضم غالبية يهود العالم. ورغم أن هذا العالم الغربي هو الذي اضطهد اليهود عبر تاريخهم، ونكَّل بهم وبآبائهم، فإن الصهاينة يتناسون هذا تماماً (إلا في مجال زيادة ما يُسمَّى «الوعي اليهودي» ومحاولة تعميق الإحساس بالذنب في الوجدان الغربي حتى يتسنى توظيفه في خدمة الصهاينة) ويحصرون عداءهم للغرب في ألمانيا النازية.