ثمة إحساس عميق بأن العربي الغائب لم يغب، وهو إحساس في جوهره صادق، فالكيان الصهيوني مُحاصَر بالفعل ومهدد دائماً، والعرب في واقع الأمر لا يمكن "الثقة بهم"، لأن الجماهير العربية لن تقبل حالة الظلم باعتبارها حالة نهائية رغم توقيع معاهدات السلام الكثيرة! وأقصى ما يطمح إليه المستوطنون الصهاينة هدنة مؤقتة تنتهي عادةً بمواجهات عسكرية. فالصراع مع الكيان الصهيوني صراع شامل على الوجود، لأن وجود الشعب الفلسطيني لا يهدد حدود الدولة الصهيونية أو سيطرتها على أجزاء من الأرض الفلسطينية، وإنما يهدد وجودها كله. كل هذا يعمق إحساس المستوطنين الصهاينة بأن دولتهم كيان مشتول، فُرض فرضاً على المنطقة بقوة السلاح، وهم أول من يعرف أن ما أُسِّس بالسيف يمكن أن يسقط به. ومما يعمق مخاوفهم إحجام يهود العالم عن الهجرة والتكلفة المتزايدة للتكنولوجيا العسكرية. كل هذا يولِّد الهاجس الأمني المرضي وعقلية الحصار المرضية وهي حالة لا علاج لها داخل الإطار الصهيوني.