والهاجس الأمني وعقلية الحصار يحددان كثيراً من جوانب السلوك الإسرائيلي، فبسبب هذا الهاجس لابد من زيادة القوة العسكرية والدعم الاقتصادي والتفوق التكنولوجي والمزيد من السيطرة على الأراضي. وبسبب حجة الأمن يطالب الإسرائيليون بالاحتفاظ بالضفة الغربية وقطاع غزة وإنكار حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وباسم هذا الهاجس الأمني يحق للإسرائيليين اللجوء للإغلاق الأمني للقرى الفلسطينية وحصارها وتجويعها. وفي أية مفاوضات مع العرب يطرح الإسرائيليون دوماً بند الأمن والأخطار التي تتهددهم وضرورة وجود محطات إنذار مبكر ومناطق فصل. وعندما تعقد أية اتفاقية مع العرب يصر الإسرائيليون على ضرورة امتحانهم للتأكد من نيتهم خوفاً من الخديعة دون أن يكون من حق الفلسطيني أو العربي أن يفعل المثل. في هذا الإطار يتم التمييز بين المستوطنات السياسية التي يمكن التخلي عنها والمستوطنات الأمنية التي يجب الاحتفاظ بها (وبالتالي بقسم كبير من أراضي الضفة والقطاع) . وتمت عملية غزو لبنان باسم «السلام من أجل الجليل» . وتنعقد المفاوضات مع سوريا بسبب أمن إسرائيل. بل إن الدولة الصهيونية بسبب الهاجس الأمني تسمح وبشكل قانوني بدرجة من الإجبار والضغط البدنيين للحصول على معلومات من الفلسطينيين (أما ممارسة الإجبار والضغط البدنيين بشكل غير قانوني فهذا أمر مفروغ منه) .
والهاجس الأمني يقف أيضاً عقبة كأداء في المجال الاقتصادي إذ يضع الإسرائيليون الاعتبارات الأمنية قبل اعتبارات الجدوى الاقتصادية ومن ثم فهو يعوق عمليات الخصخصة التي تتطلب جواً منفتحاً يسمح بتدفُّق رؤوس الأموال والخبرات والعمالة والسلع. بل إنه يمكننا القول بأن الهاجس الأمني يشكل عائقاً ضخماً في مجال التطبيع، إذ أن الإسرائيليين حينما تتدفق عليهم العمالة العربية والبضائع تبدأ مخاوفهم الأمنية في التهيج فيخضعون كل شيء للاعتبارات الأمنية بما يحول دون تدفق العمالة والبضائع.