والحقيقة التي فاتت الزعامات الصهيونية أن أمن إسرائيل يمثل مشكلة كيانية لأن إسرائيل كيان مزروع بلا جذور، ممول من الخارج من قبل يهود الغرب والدول الإمبريالية الغربية، لا يتفاعل مع الواقع التاريخي العربي المحيط به. ولكي تُدافع إسرائيل عن أمنها، أي كيانها، يضطر الكيان الاستيطاني الشاذ إلى أن يعسكر نفسه عسكرة تامة ليتحول إلى المجتمع/القلعة الذي تجري العسكرية في عروقه والذي لا توجد فيه أية فواصل بين الشعب والجيش. وما تنساه الزعامات الصهيونية أنه بغض النظر عن مقدار الأمن الذي سيصل إليه هذا المجتمع وبغض النظر عن حجم انتصاراته فإن عليه أن يخوض الحرب تلو الحرب ليدافع عن أمنه "المهدد" وذلك بسبب الحركة الطاردة في المنطقة. لقد بدأ الاستيطان الصهيوني مستنداً إلى أسلوب المستوطنات ذات السور والبرج وعاش المستوطنون داخل هذا الأمن المؤقت يحلمون بالأمن النهائي. وقد صعَّدت المؤسسة الصهيونية آمالهم بأن "السلام سيحل عن قريب" وخاض المستوطنون، ومن بعدهم الدولة الصهيونية، عدة حروب ليصلوا إلى الأمن النهائي والحدود الآمنة إلى أن وصل يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣ وكانوا لا يزالون واقفين وراء قناة السويس خلف سور وبرج كانا يعرفان باسم «خط بارليف» الذي كان يحيط بالحدود الآمنة المفترضة. ثم تحولت إسرائيل بأسرها إلى أسوار وأبراج وطرق التفافية يحيط بها حزام أمني في لبنان وسلسلة من المستوطنات في الجولان، ومعابر مسلحة مع السلطة الفلسطينية.
وعبور القوات المصرية والسورية في أكتوبر وانتفاضة الفلسطينيين التي استمرت بشكل حاد حوالي ستة أعوام (ولا تزال مستمرة في صور أخرى في المجتمعات وبعض النقاط الساخنة) واستمرار المقاومة اللبنانية بدرجات متفاوتة من الحدة أثبت أن نظرية الأمن الإسرائيلي، كما حددتها المؤسسة العسكرية، لا أساس لها ولا سند، فسقطت أجزاء كبيرة من العقيدة الصهيونية وانكشف الغطاء عنها.