إن التعريف الصهيوني للأمن شجرة عقيم، فالحدود الجغرافية الآمنة لا يمكنها أن تهزم التاريخ، والأمن لا يتحقَّق داخل المكان وحسب، عن طريق الآلات والردع التكنولوجي، وإنما يتحقَّق داخل الزمان، فالأمن الدائم والنهائي والحقيقي علاقة بين مجموعات بشرية تعيش داخل الزمان وليس أسطورة لا تاريخية تُفرَض عن طريق الردع التكنولوجي. والدولة الصهيونية غير قادرة على تحقيق الأمن لشعبها أو للآخرين. ومع هذا نجحت في إقناع المؤسسة الحاكمة الجماهير الإسرائيلية أنها لا يمكن أن تتعايش إلا داخل الكيان الصهيوني الشاذ، وعلينا أن نثبت أن العكس هو الصحيح، فصهيونية هذا الكيان هي السبب في انعدام أمنه وهي السبب في الزج بالجماهير الإسرائيلية في حروب متتالية، فلا أمن إلا من خلال إطار ينتظم كل سكان المنطقة ولا يستبعد الإسرائيليين أو الفلسطينيين. أما الأمن الذي يتجاهل الواقع فهو أمن مسلح مؤقت، هو سلام مبني على الحرب يهدف إلى فرض الشروط الصهيونية.
إن الصهيونية تَصدُر عن رؤية تفترض انفصال اليهودي عن الأغيار ووحدته مع كل يهود العالم، وتحاول الدولة الصهيونية أن تترجم هذا الافتراض إلى حقيقة. فإسرائيل تحاول أن تظل بمعزل عن حركة التاريخ في منطقة الشرق العربي وتتحرك في إطار فكرة وحدة «التاريخ اليهودي» ، ولذلك فهي تمنع الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم ولكنها في الوقت نفسه تقوم بالحملات المسعورة لتهجير يهود الاتحاد السوفيتي (سابقاً) ، ثم تبحث عن "الأمن" بعد هذا. وعلى العرب أن يثبتوا للإسرائيليين أن السير عكس الاتجاه الصهيوني هو المخرج الوحيد، أي دولة تعبِّر عن حركة التاريخ في المنطقة وتنتظم كل سكان فلسطين بغض النظر عن انتمائهم الديني أو العرْقي، دولة منفصلة عن ديناميات «التاريخ اليهودي» الوهمية متحرِّرة من التصوُّرات الخاصة بـ «وحدة الشعب اليهودي» في كل زمان ومكان.