وعلاقة إسرائيل بالولايات المتحدة علاقة خاصة وعميقة. فكلاهما مجتمع استيطاني مبني على محو تاريخ الآخر وإبادته وطرده. وكلاهما يستند إلى أسطورة الاستيطان الغربية (صهيون الجديدة) . وإلى جانب هذه العلاقة الحضارية شبه الدينية، توجد العلاقة السياسية العملية وهي أن الولايات المتحدة هي الراعي الإمبريالي للدولة الصهيونية الوظيفية التي تدعمه وتموله وتضمن بقاءه واستمراره، وهي تضم أكبر تجمُّع يهودي في العالم (يفوق في حجمه التجمُّع الصهيوني نفسه) . وهي بغير شك علاقة تخلق تبادلاً اختياريًا وتربة خصبة للأمركة. هذا بطبيعة الحال إلى جانب الاتحاه العام في كل مجتمعات العالم نحو الأمركة مع تصاعُد معدلات العلمنة وتفشي النسبية الأخلاقية. والأمركة تعني تآكل الجذور وتساقط الحدود الأمر الذي يصعِّد السعار الاستهلاكي.
٤ ـ والأمركة مرتبطة تمام الارتباط بالعولمة التي لها نفس الأثر في التجمُّع الصهيوني، فالإنسان الذي يفقد جذوره الإثنية والدينية يميل بشكل أكبر نحو الاستهلاك، لأن استهلاك السلع يصبح السبيل إلى تحقيق الفردوس الأرضي. وفي إطار العولمة تصبح السلع العالمية (أي الأمريكية) هي رمز هذه الجنة الجديدة.
وهذه الظواهر موجودة في كل المجتمعات ولكن أثرها السلبي أعمق في التجمُّع الصهيوني لأنه مجتمع يستند عقده الاجتماعي إلى أيديولوجية تشكل الهوية عصبها وعمودها الفقري.
٥ ـ ويرتبط بكل هذا الاتجاه نحو الخصخصة، فالخصخصة تعني أن نقطة البدء هي الفرد وليس المجتمع، وأن المشروع الفردي يسبق المشروع القومي. ومثل هذا الموقف يزيد بغير شك حدة السعار الاستهلاكي. وللخصخصة أعمق الأثر في التجمُّع الصهيوني باعتباره تجمُّعًا استيطانيًا لابد أن ينظم نفسه تنظيمًا جماعيًا ليضمن لنفسه البقاء والاستمرار أمام مقاومة أصحاب الأرض.