ونظرًا للتوجُّه نحو اللذة في التجمُّع الصهيوني نجد أن المفهوم القديم للمستوطن الصهيوني باعتباره رائدًا يمسك المحراث بيد والبندقية بالأخرى قد تآكل، وظهر نوع جديد من المستوطنين الذين يبحثون عن الحراك الاجتماعي وعن رفع مستوى معيشتهم. ولذا يُلاحَظ أن المستوطنات الجديدة في الضفة الغربية مختلفة عن المستوطنات القديمة، فلا توجد فيها أي مظهر من مظاهر التقشف وإنما توجد فيها منازل فاخرة وحمامات سباحة وكل أشكال الرفاهية. والدعوة إلى الاستيطان فيها لا تأخذ شكل شعارات دينية أو حتى شبه دينية ولا أيديولوجية (أو حتى شبه أيديولوجية) وإنما هي دعوة سافرة للاستهلاك، فإحدى الإعلانات تتحدث عن فيلا واسعة، في موقع جميل، بنصف ثمن الفيلات المماثلة داخل حدود ٦٧ ولكنها مع هذا تقع على بُعد ثلاثين دقيقة من وسط القدس ونتانيا وتل أبيب.
وهذه البيوت الاستيطانية الفارهة لا يقوم المستوطنون بحراستها إذ يتولَّى الجيس الإسرائيلي هذه المهمة بالنيابة عنهم. ولذا بدلاً من أن تكون المستوطنات هي المواقع العسكرية الأمامية للقوات الصهيونية أصبحت تشكل عبئًا عسكريًا عليه. ولذا فقد أطلقنا على هذا النوع من الاستيطان «الاستيطان مكيف الهواء» ، وهو يعكس واقع الحياة في إسرائيل أكثر من الشعارات الصهيونية الكاذبة التى تطلقها أبواق الدعاية الصهيونية.
٢ ـ لا شك فى أن كون المجتمع الصهيوني مجتمع مهاجرين يعني أن هناك دائمًا جماعات بشرية جديدة تفد على المجتمع وتصعِّد من سعاره الاستهلاكي، كما حدث مع وصول المهاجرين السوفييت.
٣ ـ مما يساعد على تفشي النزعة الاستهلاكية ظاهرة الأمركة، والأمركة هي أسلوب حياة جوهره اتخاذ موقف برجماتي ينصرف عن الكليات والمبادئ ليركز على التفاصيل وحل المشاكل المباشرة، ويعتمد العنف آلية أساسية من آليات حل الصراع، ويركز على الفرد بالدرجة الأولى وتأكيد ضرورة الإشباع الفوري.