للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمُستوطَن الصهيوني لا يشكل استثناء من القاعدة، فقد بدأ بمرحلة ريادة مسلحة تقشفية وانتهى إلى مرحلة استهلاكية فردوسية. ولكن عملية الانتقال إلى المرحلة الثانية تمت بسرعة أكثر من المتوقع لأن المستوطنين الصهاينة كانوا منذ البداية مموَّلين من الخارج من قبَل اللورد روتشيلد، ثم زاد الدعم والتمويل بعد عام ١٩١٧ من قبَل المنظمة الصهيونية العالمية. ولكن فترة الريادة المسلحة لم تكن تقشفية بالقدر الكافي ولم تكن تراكمية على الإطلاق، وكانت تحوي داخلها قدرًا عاليًا من اللذة الآنية والسعار الاستهلاكي والرغبة الجامحة في تحقيق الذات. وبعد إنشاء الدولة، زاد الدعم من الخارج بدرجة لم يشهدها التاريخ الإنساني من قَبْل، وهو ما أدَّى إلى زيادة حدة التوقعات الاستهلاكية، وإلى إضعاف المقدرة على التقشف وعلى إرجاء المتعة.

ولذا، فحينما حققت إسرائيل انتصارًا في عام ١٩٦٧، أي بعد نحو ٢٠ عامًا وحسب من تأسيس الدولة، تفجرت الرغبات الاستهلاكية وزاد النزوع نحو اللذة وارتفعت التوقعات وانخفضت المقدرة على التحمل إذ شعر المستوطنون الصهاينة أن المرحلة التقشفية قد انتهت وأن الوقت قد حان لدخول مرحلة الاستهلاك والسلع المستوردة، وهذا يعني أن ارتفاع معدلات العلمنة في المجتمع أدَّى إلى اكتساح القيم، والمطلقات كافة، ومعها المطلق الصهيوني نفسه وسائر آليات ضبط النفس التي تتم في إطاره، وذلك قبل أن يضرب المجتمع بجذوره وقبل أن يؤسِّس بنيته التحتية. ولذا، تزايدت معدلات الأمركة في المجتمع، وضَعُفت مقدرة المستوطنين على تحمُّل المشاق. ومع تَفجُّر الانتفاضة تصاعدت حدة أزمة المجتمع الصهيوني.

لكل هذا تغيَّرت الأنماط الإدراكية في المجتمع فتراجع نموذج الكيبوتسنيك (عضو الكيبوتس) وظهر نموذج روش قطان، أي المواطن ذو الرأس الصغير والمعدة الكبيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>