للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن كل هذا يتم، منذ البداية، باسم الهدف النهائي والقيمة المرجعية النهائية والمطلق العلماني الأوحد، أي تحقيق الذات وتعظيم اللذة، وكل ما يتم من إرجاء لإشباع الغرائز إنما يتم باسم الاستهلاك الآجل. وإذا كانت مرحلة التقشف حادةً في تقشفها، فالمرحلة الاستهلاكية في المجتمعات الاستيطانية لا تقل عنها حدة. ويعود هذا إلى أن المُستوطن إنسان تَرَك وطنه واقتُلع من جذوره ليحقق حراكًا احتماعياً ومزيدًا من الاستهلاك، وانتقل إلى مجتمع استيطاني يظن أنه الفردوس الأرضي الموعود. والمهاجر المستوطن يرفض تقاليد وطنه أو يتركها وراءه أو يجمدها، وهو يقوم عادةً بعملية الاستيطان في غياب أية مؤسسات دينية، وإن وجُدت فهو عادةً يسيطر عليها ويوظفها لتقوم بعملية تسويغ عمليات الإبادة والطرد التي يقوم بها. وهو، إلى جانب كل هذا، لا يتبنَّى التقاليد الدينية والثقافية والاجتماعية للسكان المحليين وإنما يقوم بتحطيمها، ولذا فإنه يصبح كيانًا عاريًا تمامًا أمام المادة (والتجربة الاستيطانية الغربية هي بهذا المعنى تجربة علمانية مكثفة) . ويعني كل هذا، في نهاية الأمر، أن قيم المنفعة واللذة تكون في مثل هذه المجتمعات في حالة تَرقُّب وانتظار لتتحقق وتكتسح المطلقات كافة في طريقها مع تزايد معدلات العلمنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>