وتعبِّر أزمة الإنتاجية عن نفسها في تفشي المضاربات في صفوف الإسرائيليين. وقد ظهر أن المصارف الأساسية في إسرائيل، وكذلك قطاع كبير من المواطنين العاديين، متورطون في عمليات مضاربة تضمن لهم أرباحًا ثابتة بضمان الحكومة دون بذل أيِّ جهد ودون مخاطرة كبيرة، وهذه هي عقلية الوسيط الطفيلي. وقد كُشف النقاب عن أن بعض الكيبوتسات متورطة هي الأخرى في أعمال السمسرة والمضاربات. وقد تزايدت معدلات الجريمة في إسرائيل بشكل مذهل. ويُلاحَظ انتشار المخدرات والأمراض النفسية والبغاء.
والفشل الأيديولوجيوتآكل الأيديولوجية يُولِّد ما يُسمَّى «أزمة المعنى» . وعادةً ما تؤدي أزمة المعنى إلى إحساس بالعدمية يحاول الإنسان التغلب عليه من خلال الاستغراق في عنصر مادي بشكل كامل (شرب المخدرات ـ الإباحية ـ الاستهلاك) يبحث الإنسان فهي عن قدر من اليقين. لكن ما يحدث هو العكس إذ أن تصاعُد الاستهلاك وإغراق الحواس فيه يزيد أزمة المعنى بدلاً من تهدئتها، ويزداد بذلك تآكُل الأيديولوجية وتقويضها.
وتوجد عناصر أخرى في بنية المجتمع الاستيطاني الصهيوني) الاستهلاكية) تصعد هذا الاتجاه.
١ ـ لوحظ أن المجتمعات العلمانية تمر بمرحلتين: مرحلة تقشفية تراكمية (صلبة) ، وأخرى استلهاكية فردوسية (سائلة) . وتنتمي المجتمعات الاستيطانية إلى نفس النمط، بل إن تحقق النمط في حالتها يتسم بقدر أعلى من الحدة والتطرف. فالمجتمعات الاستيطانية تبدأ هي الأخرى بمرحلة تقشفية حادة تتطلب التنظيم الصارم وضبط النفس وإنكارها بل التضحية والقتال المستمر (ضد الطبيعة المعادية والسكان المعادين) ، وهي مرحلة تتسم بالأشكال الاقتصادية الجماعية والملكية الجماعية أو شبه الجماعية للأشياء وتضخُّم القطاع العسكري وتغلغله في كل القطاعات الأخرى. وهذه المرحلة هي المرحلة التقشفية التراكمية التي يتم فيها الاستيلاء على الأرض وكذلك طرد السكان الأصليين وإبادتهم ومراكمة رأس المال.