لكن، وبعد مرور ما يقرب من خمسين عامًا على تأسيس الدولة الصهيونية، يمكن القول بأنها أبعد ما تكون عن قصة النجاح الموعود. أما على مستوى السيادة السياسية، فالمستوطن الصهيوني يضطر دائمًا نتيجة وضعه للاعتماد على قوة خارجية تضمن له البقاء والاستمرار من خلال الدعم العسكري والسياسي المستمرين، وهو ما يفرغ مفهوم السيادة من مضمونه تمامًا.
والدعم الاقتصادي للدولة الصهيونية يحل مشاكلها الاقتصادية ولكنه تذكير يومي للمواطن الإسرائيلي بأن الصهيونية لم تنجح في تطبيع اليهود وفي شفائهم من أمراض المنفى. فالمُستوطن الصهيوني أصبح شخصية استهلاكية، ولم يتحول إلى شخصية منتجة يعمل بيديه ويتواجد في مختلف المراحل الإنتاجية. فإنتاجية العامل الإسرائيلي تعادل نصف إنتاجية العامل الأمريكي، وهو أقل إنتاجية من عمال الدول الصناعية كلها (باستثناء إيطاليا) . ويتبدَّى تقلُّص الإنتاجية الإسرائيلية في تقلص القطاع الإنتاجي وتضخُّم قطاع الخدمات. وقد لاحَظ أمنون روبنشتاين، أنه في عام ١٩٤٥، أي قبل إعلان الدولة، كان عدد اليهود المشتغلين بأعمال إنتاجية هو ٢٤%. وبعد إعلان الدولة، وقف الهرم الإنتاجي على قاعدته، وبلغ عدد اليهود المشتغلين بوظائف إنتاجية ٦٩%. ولكن بعد مرور مائة عام على الاستيطان الصهيوني والممارسة الصهيونية، هبطت النسبة مرة أخرى إلى ٢٣%.
وقد ساهمت الانتفاضة المجيدة في فضح العدو أمام نفسه، إذ ثبت أن العمالة العربية المنتجة لا تزال قائمة على أرض فلسطين قبل بعد عام ١٩٤٨. ولم يحاول المجتمع الصهيوني أن يحل مشكلة العمالة من الداخل، أو حتى بالتوجه إلى الضمير اليهودي العالمي، وإنما حاول حلها عن طريق استيراد العمالة، وكأن الحديث عن زيادة الإنتاجية والعمل العبري قد تبخَّر جميعًا حتى على مستوى الديباجات اللفظية.