ولابد من إعادة صياغة النخبة الثقافية والسياسية وإعادة تعليمها، وستأخذ هذه العملية شكل الترغيب والترهيب. أما الترغيب، فهو يأخذ شكل دعم ورشاوى ومراكز بحوث وصفقات وبرامج ثقافية تزيد معدلات الأمركة والعلمنة فى المجتمع والتلويح للنخب السياسية والثقافية بأنها ستُشارك بشكل مباشر في هذا التعاون الدولي وستجني ثمراته بشكل شخصي. أما الترهيب فهو تخويف الجميع من خطر الإرهاب الإسلامي. وقد نجح النظام العالمي الجديد فى هذا المجال، فكثير من المثقفين القوميين والاشتراكيين العلمانيين، ممن وجدوا أنفسهم بلا أرضية ولا قضية، بعد حرب الخليج وبعد تراجع المنظومة القومية وبعد سقوط الاتحاد السوفيتى وتساقُط المنظومة الاشتراكية، يبحثون عن مبرر وجيه وموضوعي للتوجه للسفارة الأمريكية والسير في ركاب المنظمات الدولية (التي تدفع رواتب هي أقرب إلى الرشاوى منها إلى الأجور) . وقد وجدوا مثل هذا المبرر أخيراً في الادعاء بالخوف على الداخل الديموقراطى من الداخل الإرهابي، ومن ثم فليستعينوا بالخارج الدولي، هذا الذي ساند كل الدول الإرهابية عبر تاريخه ولا يزال يساند طواغيت الأرض الذين ينهبون شعوبهم أثناء عمليات النهب ثم يحميهم بعدها، فهذا الخارج قد أصبح فجأة نصير الديموقراطية والمُدافع عن العدالة. وبدأت تظهر بينهم آلهة محلية مثل «حورس» جزء من الماضي المتحفي (نسبة إلى متحف) ، لتحل محل الماضي العربي الإسلامي الحي، وحتى تتصارع الآلهة المحلية الوثنية (هذا، إذا تم بعث آشور، واللات والعزى) ، كما كان الحال فى الشرق الأدنى القديم قبل الفتح الإسلامي، وهذه هى تماماً الرؤية الصهيونية للمنطقة في عصر ما بعد الحداثة.