إن كل هذه التصورات للسلام تنبع من إدراك أن أرض فلسطين هي إرتس يسرائيل، وأن الإسرائيليين لهم حقوق مطلقة فيها، أما الحقوق الفلسطينية فهي مسألة ثانوية، فالأرض في الأصل أرض بلا شعب. وتتبدَّى هذه الخاصية بشكل واضح ومتبلور في المفهوم الإسرائيلي للحكم الذاتي. وتصوُّر إسرائيل لمستقبل المنطقة لا يختلف كثيراً عن ذلك، فالمركز هو إسرائيل وهي التي تمسك بكل الخيوط، أما بقية "المنطقة" فهي مساحات وأسواق. وإسقاط عُقَد التاريخ هنا يعني إسقاط الهوية التاريخية والثقافية بحيث يتحول العرب إلى كائنات اقتصادية، تحركها الدوافع الاقتصادية التي لا هوية لها ولا خصوصية. هنا تظهر سنغافورة كصورة أساسية للمنطقة وكمثل أعلى: بلد ليس له هوية واضحة ولا تاريخ واضح، نشاطه الأساسي هو نشاط اقتصادي محض. وحينما يتحول العالم العربي إلى سنغافورات مفتتة متصارعة فإن الإستراتيجية الاستعمارية والصهيونية للسلام تكون قد تحققت دون مواجهة ومن خلال "التفاوض" المستمر!
جاء في مجلة نيوزويك الأمريكية أنه بعد أن قبل الرئيس السادات توقيع اتفاقية كامب ديفيد طلب تخصيص رقعة ما في القدس تُرفع عليها الأعلام العربية، فاقترح أعضاء الوفد الإسرائيلي أن تُرفع الأعلام على المقابر العربية، أي أنه اقترح "سلام المقابر". أما ديان فارتفع عن هذا قليلاً ووصف طلب الرئيس السادات بأنه "بقشيش"، أي أنه اقترح سلام السادة والعبيد. وما بين المقابر والبقشيش يقع المفهوم الإسرائيلي للسلام.