٣ ـ يُلاحَظ أن كل الحلول مبنية على فكرة القسر والخضوع، وأن أحد الأطراف سيدفع الطرف الآخر مضطراً للتسليم بوجهة نظره. فالصهاينة يرون أن رؤيتهم للتاريخ هي الرؤية الوحيدة السليمة التي لا يمكن التراجع عنها على مستوى العقيدة حتى لو تم التراجع عنها على مستوى الإجراءات البرجماتية. وقد لخص ذلك الموقف أهارون ياريف بقوله:"الصهيونية هي حركة التحرر الوطني للشعب اليهودي.. اصطدمت بالحركة القومية العربية عامة والحركة القومية الفلسطينية خاصة". ولكنه يضيف:"إن أقوالي هذه لا تنطوي على تنازل أو استعداد للتنازل عما نعتبره حقنا التاريخي في إرتس يسرائيل وفي علاقتنا التاريخية بها". هذا الموقف المبدئي السائد في صفوف الجميع يخلق استعداداً كامناً دائماً لدى كل الصهاينة، مهما كان موقعهم على خريطة المُتصل الإدراكي السياسي، أن ينزلقوا دائماً نحو تغييب العرب وإنكار حقهم في إنشاء دولة حقيقية خاصة بهم إن سنحت الظروف، كما أنه يضفي صفة الشرعية على موقف دعاة إسرائيل الكبرى. فالأصل في الموقف الصهيوني هو ابتلاع كل الأرض وتغييب كل العرب، والاستثناء هو المرونة والاستعداد للتفاوض بشأن الأرض خارج الخط الأخضر وبشأن الفلسطينيين خارجه. ولعل هذا يفسر كيف أن الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية قد بدأ إبان حكم العمال المعتدلين وأنهم اعتمدوا ملايين الدولارات لإنشاء مستوطنات هناك في الأرض نفسها التي بدأ بيريس بالإعلان عن استعداده للتنازل عنها مقابل السلام.