لم تَعُد القضية، إذن، قضية هوية يهودية أو تطبيع شخصية يهودية أو صورة جيش الدفاع أو تمدُّد المستوطنين أو الحدود، وهي جميعاً قضايا تفترض الوجود الصهيوني وتنطلق منه، وإنما أصبحت القضية قضية الوجود نفسه مقابل الغياب. وقد عبَّر أوري أفنيري عن هذه الأفكار نفسها بشكل ينم عن الذكاء (دون أن يستخدم مصطلح الشرعية) ، ففي مقال له بعنوان "الحرب السابعة" يُحذِّر أفنيري من الادعاء بأن ما يحدث هو مجرد اضطرابات أو مخالفات نظام وأن الثوار هم مجرد محرضين أو جمهور محرض غاضب، فمثل هذه الأقوال تزوِّر الصورة الحقيقية. فكل الأقوال السابقة تفترض أن الثورة تدور داخل إطار الدولة الصهيونية والشرعية الصهيونية، لكن ما يحدث قد تخطَّى هذا النطاق. إنه يدور في إطار مختلف: فهذه الأحداث ـ على حد قول أفنيري ـ حرب بكل معنى الكلمة، إنها مثل حرب فيتنام وحرب الجزائر. فالعدو هو الشعب الفلسطيني، إذ يقف الجمهور الفلسطيني في المناطق المحتلة وراء هؤلاء الأولاد الصغار. ويقف وراء هذا الجمهور سائر أبناء الشعب الفلسطيني. ولذا، فهو يُسمِّي هذه الحرب «الحرب السابعة» . ولكن أفنيري، وهنا مربط الفرس، يجد أن حروب ٥٦ ثم ٦٧ ثم حرب الاستنزاف، ثم حرب لبنان، حروب خاضتها الجيوش العربية نتيجة الصراع العربي الإسرائيلي، على مستواه العام لا على مستواه الإسرائيلي الفلسطيني المباشر. أما الحرب الأولى، التي تُدعَى حرب الاستقلال (أي حرب الاستيلاء على فلسطين) ، فقد كانت أساساً حرباً على هذا المستوى المباشر. وسواء أخذنا برؤيته للحروب العربية الإسرائىلية أم لم نأخذ، فإن النتيجة التي يخلُص لها بالغة الأهمية، فهو يقول:"إن الحرب السابعة هي نتيجة حالة من المواجهة المباشرة بين المستوطنين والفلسطينيين، وكأننا في حلقة مفرغة، عدنا من خلالها إلى بداية حرب الاستقلال"، أي أن ما يوضع موضع التساؤل الآن هو الوجود الصهيوني نفسه لا مدى النجاح أو الفشل الصهيوني،