فالأسئلة تطرح من خارج نسق الأيديولوجيا الصهيونية لا من داخلها.
وإذا عدنا إلى قضية التشدد والاعتدال، فإننا نلاحظ أن عودة العربي قد أدَّت إلى التشدد الصهيوني، والتشدُّد دائماً علامة من علامات الأزمة، فالتصريحات تتوالى عن ضرورة الضرب بيد من حديد، وأفلام التلفزيون تُشهد العالم أجمع على أن تحطيم العظام ودفن الأحياء هي أحداث يومية في الدولة التي تدَّعي أنها «يهودية» . وهذا التشدد مفهوم تماماً إذا كان ما يوضع موضع التساؤل هو وجود المرء نفسه لا شكل سياساته أو مضمونها.
ويمكن أن نتناول في إطار شرعية الوجود أثر المقاومة الفلسطينية في يهود العالم وعلاقتهم بإسرائيل. إن من أهم حلقات الوصل بين يهود العالم والدولة الصهيونية أن الدولة الصهيونية تشكل مركزاً ثقافياً حضارياً ليهود العالم وأنهم يستمدون هويتهم منها. فالدولة الصهيونية المنتصرة تحسِّن صورتهم أمام العالم بأسره، إذ أنها تضع نهاية للصورة النمطية الإدراكية الخاصة باليهودي كمراب جبان. ولكن، مع الانتفاضة، تدهورت الصورة الإعلامية للدولة الصهيونية وأصبح من مصلحة يهود العالم الاحتفاظ بمسافة بينهم وبينها، وهذا يعني تزايد محاولات التملص من الصهيونية وتصاعد إمكانيات رفضها.
بل إن العقيدة اليهودية نفسها لم تَسْلم من أثر المقاومة الفلسطينية. ففي الحوار بين المسيحيين واليهود، كان الجانب اليهودي يصر دائماً على أن يكون الاعتراف بالدولة اليهودية أساساً للحوار العقائدي (وكأن الدولة اليهودية جزء من العقيدة اليهودية) ، كياناً مطلقاً مقدَّساً. وبعد الانتفاضة، طُلب من أحد الوفود اليهودية في إحدى مؤتمرات الحوار اليهودي المسيحي أن تتدخل لدى الدولة الصهيونية المقدَّسة لوقف كسر عظام الأطفال، فتراجعت الوفود عن موقفها السابق وأعلنت أن الدولة اليهودية لا علاقة لها بالعقيدة. وقد أدَّى ذلك إلى نَزْع القداسة عن الدولة.