والملاحظ أن يهود مصر كانوا مندمجين في مجتمعهم المصري اندماج أقباطها، إلا أن الاستعمار فشل في استقطاب أعضاء الجماعة القبطية وفي تحويلهم إلى جماعة وظيفية عميلة يتم حوسلتها لصالحه. ولعل هذا يعود إلى أن الجماعة القبطية في المجتمع المصري لم تتحول إلى جماعة وظيفية تتسم بسمات الجماعات الوظيفية (التعاقدية ـ العزلة والغربة والعجز ـ الانفصال عن المكان والزمان والهوية الوهمية ـ الحركية ـ ازدواجية المعايير والنسبية الأخلاقية) وظلت جزءاً من نسيج المجتمع المصري للأسباب التالية:
١ ـ لم يكن أقباط مصر عنصراً مُستجلَباً وإنما كانوا من سكان مصر الأصليين وكانت غالبيتهم من الفلاحين وكان من بينهم ملاك الأراضي والصناع والكتبة والمهنيون، أي أنهم كانوا يشغلون مختلف مواقع الهرم الإنتاجي، بل إنهم لم يكونوا مُمثَّلين في النخبة الحاكمة اليونانية والمغتصبة. وبعد الفتح الإسلامي، وفي إطار مفهوم أهل الذمة، لم يُحظَر عليهم الاشتغال بالزراعة أو الحرف (كما هو الحال في الحضارة الغربية الوسيطة) ، بل أصبح الهرم الإنتاجي مفتوحاً أمامهم، ولذا فإنهم لم يخضعوا لأي تمييز وظيفي أو مهني ولم يتم عزلهم نفسياً أو جسدياً ولم تتم حوسلتهم وترشيدهم إلا بالقدر المألوف في المجتمعات التقليدية واللازم لإدارة المجتمع، والذي يُطبَّق على كل قطاعات المجتمع البشرية.
٢ ـ تغيَّرت لغة أقباط مصر من القبطية إلى العربية، وهو ما يعني أنهم تبنوا الخطاب الحضاري الجديد دون أن يفقدوا بالضرورة هويتهم الدينية المتميِّزة، بل إن هذه الهوية الدينية نفسها تم تعريبها. أي أن أقباط مصر أمكنهم الاستمرار في الإبداع الحضاري وفي التعبير عن هويتهم من خلال الخطاب الحضاري القائم، وقد قلل هذا عزلتهم وغربتهم وعمَّق من انتمائهم إلى المجتمع.