ينطلق مفهوم «نزع الصبغة الصهيونية عن الدولة الصهيونية» من إدراك أن الصراع القائم في الشرق الأوسط الآن ليس نتاج "كُره عميق وأزلي" بين العرب واليهود أو بين اليهود والأغيار، وأنه ليس نتيجة العُقد التاريخية والنفسية (كما يدَّعي الصهاينة) ، وإنما هو وضع بنيوي يُولِّد الصراع نشأ عن تطور تاريخي وسياسي وبشري محدد. وطالما ظل هذا الوضع قائماً يظل الصراع قائماً. وأنه لا سبيل لإنهاء الصراع إلا من خلال فك بنية الصراع ذاتها.
وقد يقول البعض إن هذه مقولات قد عفى عليها الزمن وأن هناك "إسرائيل جديدة" أو "إسرائيل أخرى" غير صهيونية وغير متلهفة على التوسع الصهيوني ... إلخ. وردنا على هذا هو أن إسرائيل القديمة لم تكن دولة مثل أية دولة أخرى ولم تكن مجرد شعارات لفظية رنانة، وإنما هي دولة وظيفية استيطانية إحلالية، ثم تحولت إلى دولة استيطانية مبنية على التفرقة اللونية، زُرعت زرعاً في المنطقة العربية لتضطلع بوظيفة محددة (حماية المصالح الغربية) مقابل الدعم الغربي لها وضمان بقائها واستمرارها. فوظيفيتها هي ذاتها استيطانيتها وعنصريتها. وقد عبَّرت إسرائيل القديمة عن نفسها من خلال بنية متكاملة من القوانين العنصرية (قوانين العودة والجنسية) والمفاهيم العدوانية (نظرية الأمن - مفهوم السلام - مفهوم الحكم الذاتي) والمؤسسات الاقتصادية الاستبعادية (الكيبوتس - الصندوق القومي اليهودي) ومؤسسات القمع التي تتمتع بكفاءة عالية (المؤسسة العسكرية الإسرائيلية - الموساد - الشين بيت ... إلخ) .