٦ ـ لعل قضية العدد هنا قضية مهمة، فبينما كان عدد يهود مصر صغيراً، كان عدد أقباطها كبيراً، فهم يُكوِّنون نسبة مئوية لها وزنها. وهذا يعني أن أعدادهم كافية لأن يُمثَّلوا في كل مستويات الهرم الإنتاجي وفي كل المجالات الثقافية. كما يعني أيضاً أنهم في احتكاك يومي فعلي بمعظم أعضاء الأغلبية، الأمر الذي جعل من العسير فرض صورة إدراكية عنصرية بسيطة عليهم أو عزلهم وجدانياً عن أعضاء الأغلبية. وأخيراً، أدَّى العدد الكبير إلى إفشال الخطة الاستعمارية الرامية إلى تغريب الأقباط عن طريق منحهم الامتيازات الأجنبية، وعن طريق فتح المدارس الأجنبية أمامهم وإكسابهم الخبرات اللازمة للانخراط في القطاع الاقتصادي الغربي الجديد. فإذا كانت هناك نسبة ما من أقباط مصر قد استفادت من هذا الوضع، فإن السواد الأعظم من الفلاحين وأعضاء الطبقة المتوسطة المصرية من الأقباط ظلوا بمنأى عنه لا يتمتعون بالمزايا ولا يعانون من الاقتلاع، وظلوا داخل التشكيل الحضاري المصري العربي الإسلامي "لهم ما لنا وعليهم ما علينا".
٧ ـ لكل هذه الأسباب، قاوم الأقباط حملات الاستعمار الرامية إلى فصلهم عن مجتمعاتهم العربية الإسلامية (ومن ذلك الحملات التبشيرية المسيحية التي حاولت إلحاقهم بالمسيحية الأوربية، وخصوصاً البروتستانتية، وفصلهم عن تراثهم الديني) . ولذا، فقد ساهم الأقباط في الثورات القومية المختلفة وظهر من بينهم مفكرون يبدعون من خلال المعجم الحضاري العربي الإسلامي ويثرونه، كما ساهموا في الهرم الإنتاجي وأحرزوا التقدم مع مجتمعهم وتخلفوا معه وانتصروا وانكسروا بانتصاره وانكساره. ولعل موقف الكنيسة القبطية في مصر من الصراع العربي الإسرائيلي تعبير عن هذه الظاهرة في المجال السياسي.