ونظراً لعزلة أعضاء الجماعة الوظيفية وغربتهم، فهم يكونون في المجتمع وليسوا منه، لا يلعبون دوراً أساسياً في المجتممع. وإن لعبوا مثل هذا الدور، فهم يظلون خارج النظام السياسي: فيهيمنون عليه بأن يصبحوا نخبته الحاكمة التي تحتفظ بمسافة بينها وبين الجماهير، أو يقوموا بالتدخل لصالح فئة ما على حساب فئة أخرى. ويظهر عدم انتماء أعضاء الجماعات الوظيفية سياسياً في شكل ظاهرتين مختلفتين متناقضتين ظاهرياً. فأعضاء الجماعة الوظيفية عادةً ما يُظهرون عدم اكتراث بسياسات البلد الذي يعيشون فيه أو بمصيره. ولكنهم، وهنا تكمن المفارقة الكبرى، عادةً ما تكون لديهم قابلية غير عادية لتَبَنِّي الأيديولوجيات الثورية الطوباوية الأممية (التروتسكية ـ التطرف الشعبوي ... إلخ) فهي أيديولوجيات تُعبِّر عن عدم اكتراث بالوضع السياسي المُركَّب المُتعيِّن للوطن وللمجتمع وعن عدم اهتمام بمصيره المحدد، فهو اهتمام بمطلقات لا تاريخية مثل الإنسان الأممي ومستقبل البشرية جمعاء. ولذا، نجد أن أعضاء الجماعات الوظيفية، حينما ينضمون لإحدى الجماعات الثورية، يكونون عادةً من المتطرفين المدافعين عن النقاء الثوري والحلول الجذرية المتطرفة، أي أنهم في عدم اكتراثهم بالسياسة وفي اشتغالهم بها ينتمون إلى نموذج أحادي اختزالي نُقِّي تماماً من عناصر الزمان والمكان ليصبح نموذجاً «طاهراً نقياً» .