ويتركز أعضاء الجماعة الوظيفية في وظائف معيَّنة وفي قطاعات بعينها وهي في العادة وظائف في قمة الهرم الإنتاجي تتطلب خبرة خاصة لا يمتلكها أعضاء مجتمع الأغلبية إذ يتطلب أداؤها استخدام أدوات خاصة بطريقة خاصة أو نظماً إدارية متقدمة غير مألوفة لأعضاء المجتمع. ولهذا يحقق أعضاء الجماعة الوظيفية بروزاً غير عادي، دون أن تكون لديهم قوة حقيقية لبُعدهم عن قاعدة الهرم الإنتاجي ولأنهم غير مُمثَّلين في كل مستوياته ومجالاته ولانفصالهم عن الجماهير ـ كما أسلفنا. كل هذا يجعلهم محط السخط الشعبي، وخصوصاً أن كثيراً من الوظائف التي يتركزون فيها ذات طابع استغلالي أو قمعي. كما أن سماتهم الخاصة وأسلوب حياتهم المميَّز يؤدي إلى أن ينسج الوجدان الشعبي الأساطير من حولهم: فهم أقوياء جداً أو ضعفاء جداً، وهم شرهون أو متقشفون جداً، ومسرفون ومُقتِّرون جداً، وهم كذا وكذا بطبيعتهم، وبعد قليل يسود الاعتقاد بأن طبيعتهم البشرية مختلفة عن طبيعة بقية البشر. وهذا الموقف إن هو إلا الثمرة المتعينة لعملية التجريد المبدئية لأعضاء الجماعات الوظيفية. ويبدو أن سمات الجماعة الوظيفية تفرض نفسها فرضاً على أعضاء الجماعة وتستوعبهم تماماً. فالباكستانيون في بلادهم أهل كرم ومروءة، ولكن يُلاحَظ أن المهاجرين الباكستانيين إلى إنجلترا قد فقدوا كثيراً من صفاتهم واكتسبوا الطبيعة الوظيفية الجديدة. والصينيون غير مشهورين بالبخل في بلادهم، ولكنهم حينما تحوَّلوا إلى جماعة وظيفية (في جنوب شرق آسيا) أصبحوا مشهورين بالتقتير على النفس والحرص البالغ والإقبال على مراكمة رأس المال.
ولكل ما سبق يُلاحَظ أنه إذا اندلعت ثورة شعبية، بسبب تَزايُد التوترات والأحقاد، فإنه يكون من السهل على الجماهير الغاضبة التعرف على أعضاء الجماعة الوظيفة، فهم مختلفون في ردائهم ولغتهم وطعامهم ومكان إقامتهم وعزلتهم. ومن ثم فإنهم يسقطون ضحية سهلة لمثل هذه الثورات.