٣ ـ الانفصال عن المكان والزمان والإحساس بالهوية (الوهمية (
عادةً ما ينتمي أعضاء الجماعات الوظيفية إلى "وطن أصلي". وهذا الوطن الأصلي يمكن أن يكون بلداً فعلياً قائماً كما هو الحال مع الصينيين في جنوب شرقي آسيا والهنود في أفريقيا وانجلترا وغيرها من البلدان. وأحياناً يكون أعضاء الجماعة الوظيفية من أصل اختفى كوحدة سياسية مستقلة (وسيعودون إليه في آخر الزمان) ، كما هو الحال مع اليهود والزرادشتيين. وكثيراً ما يصبح الوطن الأصلي هو الجماعة العرقية أو الإثنية أو العائلية التي ينتمي إليها عضو الجماعة الوظيفية. وسواء أكان الوطن الأصلي وطناً موجوداً فعلاً أم وطناً مختفياً وغير قائم أم عائلة أم قبيلة، فإن هذا الوطن الأصلي يصبح البؤرة التي تتركز فيها عواطفهم الإنسانية الجياشة ويتجه نحوها ولاؤهم، ويصبح النقطة المرجعية الصامتة، فيفكرون في أنفسهم وفي الآخرين وفي واقعهم من خلاله. وقد يتحدثون عن العودة إليه إذا كان الوطن موجوداً فعلاً، ولكنهم عادةً لا يفعلون، إذ أن الولاء الحقيقي والفعلي لعضو الجماعة الوظيفية يتجه إلى وظيفته وجماعته الوظيفية، فهي ليست وطنه الأصلي وإنما وطنه الفعلي. وهكذا تتسرب العواطف الإنسانية لعضو الجماعة عبر قنوات تصب بعيداً عن المجتمع المضيف إما خارجه تماماً (في الوطن الأصلي) أو نحو جماعته الوظيفية، مما يُضعف أواصر الصلة بالوطن المضيف ويزيد عدم الانتماء له ويُعمِّق الحياد تجاهه ويضمن غربة أعضاء الجماعة الوظيفية تجاه مجتمع الأغلبية فيعيشون في المجتمع (في مسامه أو في هامشه) وهم يشعرون بأنهم شعب مقدَّس منفيّ.