ولكن العزلة والغربة تعطي عضو الجماعة الوظيفية إحساساً عميقاً بأنه ذو هوية مستقلة خاصة مصدرها علامات العزل المفروضة عليه التي استبطنها هو وتبناها وأصبحت جزءاً من كيانه، فهي مثل شعائر الطهارة التي تؤدي إلى عزل الطاهرين عن المدنسين. وقد يتعمق الإحساس بالتميُّز إلى أن يصل إلى مُركَّب الشعب المختار صاحب الرسالة. ورغم هذا الإحساس العميق بالتميُّز، فإن أعضاء الجماعة الوظيفية يستمدون خطابهم الحضاري في واقع الأمر من المجتمع المضيف، فقد عاشوا في كنفه سنوات طويلة، كما أن خطابهم الحضاري الأصلي قد اختفى ولم يبق منه شيء سوى عادات ورموز سطحية. ولذا، فإن قشرة الهوية الصلبة قد تكون غريبة ومتميِّزة، ولكن جوهرها الكامن ينتمي إلى المجتمع المضيف. وثنائية الظاهر والباطن هذه أساسية حتى يتسنى لعضو الجماعة الوظيفية أن يلعب دوره الوظيفي، وحتى يكون في المجتمع دون أن يكون منه، يتعامل مع أعضاء المجتمع المضيف دون أن يتعاطف معهم أو يذوب فيهم.
٤ ـ ازدواجية المعايير والنسبية الأخلاقية:
أ) يتعامل أعضاء الجماعات الوظيفية مع أعضاء المجتمع المضيف بشكل موضوعي محايد لا يتسم بأي التزام أخلاقي. فالمجتمع المضيف بالنسبة إليهم هو مادة نافعة وشيء مباح لا يتمتع بأية قداسة ولا حرمة له يُعظِّمون من خلاله منفعتهم ولذتهم دون أي اعتبار لمنظومته الأخلاقية التي لا يشعرون تجاهها بكثير من الاحترام (فهي أحد أسباب عزلتهم واستبعادهم) . وفي الوقت نفسه، نجد أن أعضاء الجماعات الوظيفية يلتزمون تجاه جماعتهم بقوانين أخلاقية صارمة، فأعضاء الجماعة محل قداسة ولهم حرمتهم الواجب مراعاتها.