للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرتبط بكل المفاهيم السابقة (التعاقدية ـ العزلة والغربة والعجز ـ إلغاء الزمان والمكان والهوية الوهمية ـ الحركية ـ ازدواج المعايير ... إلخ) موقفان متناقضان من الحرية يُعبِّران عن الاستقطاب الأعمق: التمركز حول الذات التي تجسد المبدأ الواحد وتصبح مركز الكون والغاية من وجوده وموضع الحلول وينجم عن هذا إحساس عميق بالحرية الكاملة الناجمة عن عدم خضوع الذات لأية قوانين أخلاقية أو اجتماعية، أما الموقف الثاني فهو التمركز حول الموضوع، أي الجماعة الوظيفية التي تتم حوسلتها وترشيدها لصالح الوظيفة الموضوعية وفي خدمة أعضاء الأغلبية. وينتج عن هذا إحساس بالحتمية وبأن لا خيار أمام عضو الجماعة الوظيفية وبأنه يفعل ما يفعل لأن هذا مقدر له، فذاته لا وجود لها خارج الوظيفة التي يضطلع بها أو خارج وضعه في المجتمع، لأنها ذات متحوسلة تماماً. (وقد بيَّنا أن هذه الازدواجية الحادة وهمية، تشبه الحالة الجنينية التي تنتهي عادةً بالواحدية) . ويظهر هذا الوضع في حالة البغايا بشكل حاد ومتبلور، فالبغي متحررة تماماً من أية قوانين أخلاقية، وهي تقف خارج حدود المجتمع ترتدي ما تريد من أزياء وتسلك بالطريقة التي تعجبها متمركزةً تماماً حول ذاتها، ولكنها مع هذا شخصية منبوذة تماماً غير قادرة على الاضطلاع بأية وظائف أخرى. ومن المعروف أن البغايا يُؤمنّ إيماناً عميقاً بأنهن يعملن بوظيفتهن لأنه أمر مقدر لهن (مكتوب على الجبين) ، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي تتيح لها أن تستمر في حالة الحوسلة الكاملة (حوسلة الجسد والعواطف) والتَموضُع المطلق (التمركز حول الموضوع) التي تعيش فيها. فكأن عضو الجماعة الوظيفية يتأرجح بين الحرية المطلقة للشعب المختار والمصير المحتوم المفروض على الإنسان المختار المتحوسل. وهذا الاستقطاب هو إحدى السمات الأساسية للرؤى الحلولية الكمونية (المركز الكامن يتجسد في الفرد فيتمركز حول ذاته ويصبح حراً بشكل يتجاوز ما هو

<<  <  ج: ص:  >  >>