إنساني، والمركز الكامن يسري في الظواهر فيتمركز حول الموضوع ويخضع له كل شيء، وضمن ذلك الإنسان (.
ويمكننا الآن مناقشة علاقة الجماعات الوظيفة (باعتبارها تعبيراً عن الحلولية الكمونية) بالدولة القومية العلمانية (وهي تعبير آخر عن الحلولية الكمونية) . تقبل المجتمعات التقليدية وجود الجماعات الوظيفية فيها داخل جيتوات حيث تتمركز كل جماعة حول هويتها ووظيفتها ومطلقها، وهو أمر ممكن إذا كان المركز القومي ضعيفاً وكانت الدولة تتسم بعدم المركزية. ومع الثورة البورجوازية، يظهر الفكر القومي العضوي والدولة القومية المركزية العلمانية المطلقة، وهي دولة تجعل ذاتها موضع الحلول والكمون الوحيد، وأقصى تَركُّز له، والمركز (الموضوع) الوحيد الذي يلتف حوله المواطنون. فالدولة القومية تطلب من الجميع التخلي عن هويتهم ليدينوا لها وحدها بالولاء، وعليهم التخلي عن مطلقاتهم الدينية (أو على الأقل إخفاؤها) داخل ما يُسمَّى بالحياة الخاصة خارج رقعة الحياة العامة أو المدنية، أي أن الحلولية الكمونية القومية تحل محل كل الحلوليات الهامشية، وضمنها حلولية أعضاء الجماعة الوظيفية، إذ يَتجسَّد المركز في الدولة المطلقة وعلى كل الأطراف اتباعه. وبسيادة الدولة القومية، وتَزايُد عمليات الترشيد في المجتمع، تتم حوسلة كل أعضاء المجتمع ويتوحد الجميع بالمبدأ الواحد والمطلق العلماني والركيزة النهائية (مصلحة الدولة) ، ويدخل الجميع في علاقات تعاقدية نفعية وظيفية ويصبح الجميع حركيين لا انتماء لهم يعيش كل فرد في الجيتو الخاص به، أي تتم حوسلة الجميع ويصبح الجميع وظيفيين ويصبح كل البشر مثل أعضاء الجماعة الوظيفية. وهكذا، يسود الفكر العلماني، أي الفكر الحلولي الكموني المادي (وهذا ما سماه ماركس عملية «تهويد المجتمع» ) . وحين يسود هذا الوضع على المستوى العالمي، ويتم فرض الواحدية على شعوب الأرض كافة، فإننا ندخل عصر الحلولية الشاملة السائلة وما بعد