يُلاحَظ في المجتمعات العلمانية الحديثة الترويج لنماذج بشرية مختلفة يَكمُن وراءها نموذج الإنسان الوظيفي، أحادي البُعد، الذي تم اختزاله إلى مبدأ واحد وتم تجريده من كل خصائصه الإنسانية المركبة المُتعيِّنة بحيث يمكن تعريفه في إطار وظيفته التي يضطلع بها. ففي النظم الاشتراكية، كان هناك دائماً بطل الإنتاج الذي كانت كفاءته وإنتاجيته تفوق كفاءة وإنتاجية أي إنسان سويّ، فهو إنسان تَوحَّد تماماً مع وظيفته وأصبح إنساناً وظيفياً يكتسب معنى وجوده من الكم الذي ينتجه من سلع. أما في المجتمعات الرأسمالية، فقد ظهرت أسطورة الإنسان العصامي الذي يصعد من الأسمال إلى الثروة الرأسمالية. وهذا العصامي هو إنسان نجح في ترشيد حياته تماماً في إطار الربح الاقتصادي والتراكم الرأسمالي، فراكم الثروات الهائلة وقمع ذاته تماماً.
ويُلاحَظ أن الشخصية القدوة هنا شخصية مستحيلة من الناحية الإنسانية، ومع هذا يستمر الترويج لها مع عدم ذكر أي شيء عن التكلفة النفسية والأخلاقية لعملية اختزال الإنسان إلى وظيفة. والحلم الأمريكي تعبير عن نفس الظاهرة، فهو حلم مستحيل بالنسبة للغالبية الساحقة من الشعب الأمريكي، ومع هذا فإن أجهزة الإعلام تروج له، كما تروج لمعدلات كفاءة الأداء التي لا علاقة لها بالإمكانيات الحقيقية للإنسان وإنما تتجاوزها، وتفترض إنساناً بلا أسرة ولا أبناء ولا جيران، إنساناً متجرداً مما هو إنساني.