وقد وُصفت الوثنية بأنها محاولة إنزال الآلهة من السماء إلى الأرض (وإدخالها في نطاق المرجعية المادية الكامنة) بحيث تخضع لقوانين الأرض الطبيعية/المادية، ومن ثم يخضع الإنسان هو الآخر لهذه القوانين، إذ كيف يمكنه تجاوزها إذا كانت الآلهة نفسها خاضعة لها؛ مستوعَبة تماماً في الواحدية المادية الكونية؟ (والنزعة الوثنية لا تختلف في هذا عن النزعات العلمانية المادية الطبيعية التي ترجع كل شيء إلى الطبيعة/المادة وتنكر أي إمكانية للتجاوز الإنساني) . أما الديانات التوحيدية، فهي نوع من محاولة الصعود بالإنسان إلى الإله في السماء (وإدخاله في نطاق المرجعية المتجاوزة) . فالإنسان، بما فيه من رغبة في التجاوز، له قانون خاص ووجود مستقل عن المادة وعن الطبيعة. ومن ثم تُطرح أمام الإنسان إمكانية أن يعبِّر عما بداخله من طاقات غير مادية (ربانية إن شئت) ، وأن يتجاوز قوانين الطبيعة والمادة ويحقق القانون الإلهي (أو الجوهر الإنساني) المختلف عن القانون المادي الطبيعي.
الرد (رد إلى)
«ردَّ الشيء» أي «حوَّله من صفة إلى صفة» ، و «ردَّ الشيء إلى الشيء»«أرجعه إليه» . والرد في اصطلاح الفلاسفة إرجاع الشيء إلى ما نتصور أنه عناصر أساسية وتخليته من العناصر الغريبة عنه. كأن نقول "رد المذهب إلى نقاطه الأساسية". وفي إطار المرجعية المادية الكامنة يتم رد كل الظواهر إلى المركز الكامن في الكون وهو الطبيعة/المادة وهو ما يؤدي إلى هيمنة الواحدية المادية، على عكس المرجعية المتجاوزة إذ لا يمكن رد الإنسان في كليته إلى شيء كامن في الكون، فهو يحوي داخله النزعة الربانية. وأية عملية تفسيرية تحليلية تتضمن عملية رد، إذ تُردَّ التفاصيل الكثيرة الظاهرة إلى الوحدة الكامنة غير الظاهرة.