للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[النمل: ٣٩]، وهو ليس بأجير.

قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}: [فَسَأَلَهَا عَنْهُ، فَأَخْبَرتُهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ رَفْعِ حَجَرِ البِئْرِ، وَمِنْ قَوْلِهِ لَهَا: امْشِي خَلْفِي، وَزَيادَةُ أَنَّهُ لمَّا جَاءَتْهُ، وَعَلِمَ بِهَا صَوَّبَ رَأْسَهُ، فَلَمْ يَرْفَعْهُ، فَرَغِبَ فِي إِنْكَاحِهِ]، أي: سألها أبوها عن القُوة والأمانة، وكيفية معرفتها بهاتين الصِّفتين، فَذَكَرَتْ لَهُ، وَأَخْبَرَتْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ رَفْعِ حَجَر البئر، وكان مِن العادة أَنْ يَرْفَعَهُ عَشَرَةُ أنفُس، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى قُوَّتِه، وكانت تمشي أمامَه والريح تكشف ساقَيْهَا، فقال: كُونِي وَرَائِي. وَهَذَا دَليلٌ عَلَى أَمَانَتِهِ.

كذلك أيضًا زَيادَةٌ مِنَ الْأَمَانَةِ أَنَّهُ لمَّا عَلِمَ بِهَا موسى خَفَضَ رأسَه، فلم يرفعه، وَهَذَا مِنَ الْأَمَانَةِ، لكن نَحْنُ لَا نحتاج إِلَى هَذِهِ القضايا الثلاث، بل هنا يكفينا أنهما عَرَفتا أَنَّهُ قَوِيٌّ لِنَزْعِه الدَّلْوَ، وسَقْيِه لهما، وَأَنَّهُ أَمِينٌ؛ حَيْثُ إِنَّهُ سقى سَقْيًا تامًّا، وَلَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا مِنَ الْغَنَمِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَمَانَتِهِ.

فالأمانة والقُوَّة أُخِذَتَا مِن سَقْيه، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَصطَنِعَ شيئًا لِأَجْلِ أَنْ نُمَهِّد لكونه قويًّا أمينًا، لَيْسَ هناك حَاجَةٌ لهذا، فالإِنْسَان يُعرَف بقُوَّته مِن نَزْعِه الدَّلْوَ، فالإِنْسَان يَحْمَرُّ وجهُه، وتَيْبَسُ يَدُه، ولكن مُوسَى لم يَتَغَيَّرْ وجهُه، ونَزَعَهُ بسُهولة ويُسْرٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَوِيٌّ، وكَوْنه أيضًا يَسْقِي سَقْيًا كاملًا، فيَدع الغَنَم حتى تروَى، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَمِينٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الأمين لا يسقي سَقْيًا كامِلًا، بل ينزع الدلو قبل الرِّيِّ، لكن الأمين هُوَ الَّذِي يَأْتِي بالشَّيْء عَلَى وَجْهِهِ، فَهَذَا وَجْهُ معرفتهما لِقُوَّتِه وأمانتِه.

<<  <   >  >>