للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك عندهم على عقلهم، ثم ما لم يُثْبِتْه إما أَنْ يَنْفُوه، وإما أَنْ يَقِفُوا فيه" (١).

هذه هِيَ الْقَاعِدَةُ فِي إِثْبَاتِ الصفات أو نَفْيِها عند المتكلمين مِن المعتزلة والأشاعرة وغيرهم.

وأهلُ السُّنة جميعًا يقولون: مَا أَثْبَتَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أثبتناه، وما نفاه الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ نفيناه، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ توقفنا فيه.

أما هُم فعلى العكس، يقولون: مَا أَثْبَتَهُ العقل أثبتناه، وما نفاه نَفَيْنَاه، وَمَا لَا يَقْتَفِي إِثْبَاتَهُ، وَلَا نَفْيَهُ أكثرُهم يقولون: نَفَيْنَاهُ، ولا نَقْبَلُه؛ لأنَّنا نشترط لِقَبُول الصِّفة إثباتَ العقل لها، فَإِذَا لَمْ يُثبتها وَجَبَ نَفْيُهَا.

وبعضُهم يقول: اتَّقُوا اللَّهَ، واعدلوا، إِذَا كَانَ الْعَقْلُ لَا يَقْتَضِي إثباتها، وَلَا نَفْيَها، فالواجب التوقُّف، لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ ترجيحٌ بالإثبات، ولا ترجيح بالنفي، فيجب عَلَيْنَا أَنْ نتوقف.

فَهَؤُلَاءِ هُمُ الوَرِعون منهم، لكنَّ الوَرِعين فِي هَذِهِ النقطة غير الوَرِعين في النقطة الأولى، وَهِيَ مَا أَثْبَتَهُ العقلُ أثبتناه، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وما نَفَاهُ العقل نَفَيْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ مَذْكُورًا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَةُ الأُولَى: فيها دَلِيلٌ عَلَى أَنْ قارون كَانَ يُنْفِقُ المَالَ بِغَيْرِ رَوِيَّةٍ فِي المَعَاصِي والفساد، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لقولهم: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ} [القصص: ٧٧]، ولَوْ كَانَ يُنْفِقُهَا مِن أَجْلِ الدَّارِ الآخِرَةِ مَا قَالُوا لَهُ هَذَا.


(١) درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية (٢/ ١٢).

<<  <   >  >>