للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَنْبَغِي لمن آتَهُ اللَّهُ مَالًا أَنْ يُحْسِنَ النِّيَّةِ، وَالْقَصْدَ في بَذْلِه، أي: كُلُّ إِنْسَانٍ عِنْدَهُ مَالٌ يَنْبَغِي بَذْلُه، لكن يَنْبَغِي أَنْ يُحْسِنَ النِّيَّةَ وَالْقَصْدَ، لِقَوْلِهِ تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ}، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حِينَ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: "وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ" (١)، فقد قيَّدها بقوله: "تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ"، أَمَّا لَوْ أَنْفَقَ الإنسان لِغَيْر هَذَا الْغَرَضِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُثَابُ، وإِنْ أَنْفَقَ لِغَرَضٍ سَيِّئ؛ فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: فِي قَوْلِهِ: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ} يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يجب أَنْ يَقصد الدَّارَ الآخِرَةَ، بِأَنْ يَكُونَ فِي الْخَيْرِ.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ المَالَ -وَإِنِ اكتسبه العبدُ بِفِعْله- فَهُوَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ؛ لقوله: {فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ}، وَإِنْ كَانَ الإنسانُ يكتسب ويَتَّجِر ويحصِّل، لكنه مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ الَّذِي يُقَدِّرُه.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: إثبات الْيَوْمِ الآخِرِ؛ لقوله: {الدَّارَ الآخِرَةَ}.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: جواز تمتُّع الْإِنْسَانِ بِمَا آتَاهُ اللَّهُ تعالى فِي الدُّنْيَا، ولكن بِشَرْطِ أَلَّا يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ المعصية؛ لِقَوْلِهِ فِي جُمْلَةِ النصيحة: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}، هَذَا عَلَى الرأي الَّذِي اخْتَرْنَاهُ.

أَمَّا عَلَى رَأْي المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ، فَإِنَّ هَذَا عَائِدٌ عَلَى قَوْلِهِ: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ}، يرِيدُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ مِنَ الدُّنْيَا الفُسحة والمُهلة التي أُعْطِيَها، لا يُضِيعُها.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة ولكل امرئ ما نوى، رقم (٥٦)، ومسلم: كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث، رقم (٥٦).

<<  <   >  >>