للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فجاء الجواب هُنَا مِن هَذَا الرَّجُلِ: {لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، فقوله: {لَا تَخَفْ} إجابة لقوله: {خَائِفًا يَتَرَقَّبُ}، وقوله: {نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} إجابة لقوله: {نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.

وهكذا تكون إجابة اللَّهِ تعالى للمضطر مطابقةً تمامًا لسؤاله؛ إِذْ لَا سُلْطَانَ لفِرْعَون على مَدْين، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، أنه طَمْأنَهُ بأنه نَجَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمينَ؛ لأن سلطان فِرْعَونَ فِي مِصْرَ وَمَا حَوْلَهَا، أَمَّا مَدْيَنَ، فَإِنَّهُ لَا سُلْطَانَ لِفِرْعَوْنَ عليها؛ إِذْ لَوْ كَانَ لَهُ سُلْطَانٌ عليها لما نَجَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالمِينَ.

ومَدْيَن بلدٌ قَرِيبٌ مِن مِصْرَ، تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا عَلَى ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ مِنْ مِصْرَ، ولكن الحدود متقاربة، فهُما مَمْلَكَتَان لَيْسَ بَيْنَهُمَا إِلَّا خَطٌّ وَهْمِيٌّ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَةُ الأُولَى: فِي قَوْلِهِ تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}، يستفاد بيانُ الوَقار الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لمُوسَى، حيث جَاءَتْ إِلَيْهِ عَلَى اسْتِحْيَاءٍ تَعْظِيمًا لَهُ؛ لأنَّهُ كُلَّمَا كَانَ الإِنْسَان أشدَّ وَقارًا، كان الحياء منه أكثرَ، ولذلك الرَّجُلُ الَّذِي لَيْسَ بِوَقُورٍ تجد النَّاسَ لَا يستحيون منه، ولا يُبالون به، فيَتَفَوَّهُون عنده بِالْكَلَامِ الَّذِي لَا يَلِيقُ، ويفعلون عِنْدَهُ مَا لَا يَلِيقُ؛ لأنَّه ليس وَقُورًا، ولهذا يقال: احْتَشِم تُحْتَشَم.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: بيان كمال خُلقِ هَاتَيْنِ المَرْأتيْنِ؛ حيث جاءت تمشي، غير مُسرِعة، ولا مُهَرْوِلَة، بل تمشي بهدوء، وَهَذَا دَليلٌ عَلَى كَمَالِ أدبها، وكذلك كَوْنُهَا عَلَى اسْتِحْيَاءٍ فِيهِ أَيْضًا مِنْ كمال الأدب.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: فِي قَوْلهِا: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ} يُستفاد منه كمالُ أدب؛ حيث

<<  <   >  >>