للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَقَدْ كَانُوا مُضطهَدين، ولذلك أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَمُنُّ عَلَيْهِمْ بالهداية والإِيمَان والإمامة، وكذلك بميراثهم لفِرْعَونَ وجُنُودِه.

وَهَذَا كُلُّهُ فِي المُسْتَقْبَلِ؛ لأنَّهُ أتى بالفعل المضارع (نُرِيدُ) الَّذِي يَدُلُّ عَلَى المُسْتَقْبَلِ، أي: نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عليهم مستقبلًا.

قَوْلُه تعالى: {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} أي: أَئِمَّةً فِي الْخَيْرِ، والإمامُ هُوَ كُلُّ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْخَيْر، أَوْ فِي الشَّرِّ، قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص: ٤١]، وَلَكِنَّ المُرَادَ هُنَا: أَئِمَّةٌ فِي الْخَيْرِ.

قَولُهُ تعالى: {وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} أي: يَرِثُون فِرْعَونَ وجُنوده، قَالَ تعالى: {وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: ٥٩].

[من فوائد الآيتين الكريمتين]

الْفَائِدَةُ الأُولَى: إثباتُ إِرَادَةِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: {وَنُرِيد}، ووجهُ إثباتِ الإرادةِ هنا، مع أنَّها فِعْلٌ، وليس اسمًا، هُوَ أَنَّ الْفِعْلَ يَدُلُّ عَلَى الحدَث وزَمَانِه.

فقولُه: {وَنُرِيدُ} مُشْتَقٌّ مِنَ الْإِرَادَةِ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ نقول: إِنَّ يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ الإرادة للَّه عَزَّ وَجَلَّ.

المعتزلة لم يُثبتوا الإرادة للَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بل نَفَوْهَا، فِي الْوَقْتِ الَّذِي أثبَتَها الأشاعرةُ له عَزَّ وَجَلَّ، واستدلوا بكون الليل ليلًا، والنهار نهارًا، والحَرِّ حَرًّا، والبَرْدُ بَرْدًا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِرَادَةِ؛ إِذْ لَا يَقَعُ هَذَا التَّخْصِيصُ إلَّا بإرادةٍ.

ولكنهم يستدلون عَلَى إِثْبَاتِ الصفات عامَّةً بالعَقْلِ، فَمَا وَافَقَ عُقُولَهُم قَبِلُوه، وَمَا خَالَفَهَا أَوَّلُوه وصَرَفُوه حتَّى يُوافِقَ العقل.

<<  <   >  >>