للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ}، وعاقبة الدَّار تكون لغير الظَّالِم؛ لأنَّ الظَّالمَ لَا يُفلح، ونحن نعلم عِلم اليَقِين أَنَّ الظَّالمَ في هَذِهِ الحالِ هو فِرْعَون؛ لأَنَّه رَدَّ الحق.

وقوله: {لَا يُفْلِحُ} الفَلَاح هُوَ حصول المطلوب، وَالنَّجَاة منَ المهروب، وسُمِّي فلاحا؛ لأنَّه بقاء، وَأَصله في اللّغَة البقاء، كَمَا قَالَ الشَّاعر (١):

لكُلِّ هَمٍّ مِنَ الهُمُومِ سَعَهْ ... وَالمُسْيُ والصُّبْحُ لَا فَلَاحَ مَعَهْ

يَعني: لَا بَقَاءَ معه، فتعدَّى الأَمرُ إلَى أَنْ يَقولَوا: إِنَّ الفلاح هُوَ حصول المطلوب وَالنَّجَاة مِنَ المهروب.

وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ في مَعنَى {الظَّالِمُونَ}: [الكافِرُون] فيه نَظَر؛ لأن عدمَ فلاح الظَّالمِين بحسَب ظُلمهم؛ إن كَانَ ظُلمًا أكبرَ، فَهُم لَا يُفلحونَ أبدًا، وهم الكافِرُون، وَإن كَانَ ظُلمًا دونَ ذَلكَ، نَقصَ منَ الفَلَاح بحَسَب مَا نَقَصَ منَ العدل، فالضابط لهذا أَيْضًا إبقاء الآيَة عَلَى ظَاهرهَا، وأنَّ الظَّالمَ لَا يُفلح، لكن انتفاء الفلاح عنه بحسَب وجود الظُّلم فيهِ؛ فالظلم الأكبر يفوت به الفَلَاح كله، وَمَا دونَ ذَلكَ يَفوت منه منَ الفَلَاح بقَدْر مَا حَصَلَ منَ الظُّلمِ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَةُ الأُولَى: في قَوْلِهِ: {أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ} التَّنَزل مَعَ الخَصم عَلَى وَجهٍ لَا يَكون فيه تقويضٌ لدعوَى المدَّعي.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: فيهَا دَليل عَلَى أَنَّ الهُدَى مِن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَهُوَ الَّذي يَأتي بمَا يَحسُن الاهتداء به، ويَوَفِّق مَن شَاءَ مِن عِباده له، فالهدى مِن عند اللَّه، {أَعْلَمُ بِمَنْ


(١) البيت للأَضْبَطِ بْنِ قُرَيْعٍ السَّعْدِيّ، كما في اللسان، مادة: فلح.

<<  <   >  >>