وهناك وجهٌ آخَرُ، وهو أنهما في مرتبةٍ واحدة في الضلال، فقوله تعالى:{وَمَنْ أَضَلُّ} لَا يَمنَع أن يوجد شيء يُساويه في ذلك، فيكون كُلٌّ مِنَ الأمرين قد بلغ الغايةَ في الضَّلَال.
وقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، القَدَرِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّ الإنسَانَ يُمكن أن يهتدِيَ بنفسِه، وليس للَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عليه أَيُّ سُلطة؛ لأنَّهُم يقولون عن قَدَرِ اللَّه: إِنَّ الأمر أُنُف، بمعنى: أَنَّ اللَّهَ لم يُقَدِّر أفعالَ العِباد، وأنا أفعل هذا، وأترُك هذا باختياري المجرد المحض، وليس للَّه فيه أيُّ مشيئة، ولا خَلْق، وَلَا شَيءَ.
لكن قَوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} يرد عليهم، كما أنه أَيْضًا يرد على الجهمية الجبرية، الذي يقولون بالجبر، بأن اللَّه تعالى نَسَب هؤُلاءِ بِفِعْلِهم إلى الظُّلم، ولو كانوا مُجْبَرِين عليه لكانت نِسبة الظلم إلَيْهِم ظُلمًا، وَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا يَظلم أحدًا.
[من فوائد الآية الكريمة]
الْفَائِدَةُ الأُولَى: جَواز التعليق بالشرط فيما هو مُحَقَّق الوُقوع، وَهَذَا في قَوْلهِ تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ} هذا مُحَقَّقُ الوقوع، فليس فيه احتمال أَنْ يستجيبوا، فيجوزُ تعليق الشَّيْء المحقق بالشرط، وَلَو كَانَ مُحَقَّقًا أنه لن يكون، وكذلك لَو كَانَ محققًا أنه كائِنٌ، فإن الانتفاءَ هنا كائن لا مَحَالَةَ، ومع ذلك عُلِّقَ بالشرط، وفي الحَدِيث عن النَّبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قال:"وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ"(١)، في قَوْلِهِ لأهل المقابر، وَمَعْلُوم أَنَّ هَذَا الأَمر مُحَقَّق.
(١) أخرجه مسلم: كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، رقم (٩٧٤، ٩٧٥).