الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنّ هؤُلاءِ المكذبين للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ليست عندهم حُجة سوى اتباع أهواءهم؛ لقوله:{فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ}.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: عَدَمُ مجُادَلة المُتَّبعِ هَواهُ المُكَابِر، فليس هناك سبيلٌ لإقناعه، فهو يريد أَنْ ينتصر لنفسه فقط، ويَتَّبع هَواه، فما دام الرَّجُل صاحِبَ هَوًى، فالجِدال معه لا فائدة منه، قَالَ تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ}، فإذا بَيَّنْتَ للإنسان الحَقَّ، وَوَضَّحْتَه بأَدِلَّتِه النَّقلية والعقلية والحِسية حَسَب مَا هُوَ موجود مِن الأدلة، ولكنه أصرَّ على أَنْ يَبقَى عَلَى مَا كَانَ عليه؛ فاعلَم أنه يَتَّبعُ الهوى، والمُتَّبع الهوى مُشْكِل، فما هو بالذي يطلب الهدى، ولا بالذي يريد أَنْ ينتفع.
ولهذا نقول في هَذَا الحال: لا يجِبُ على المرْءِ مُجادلتُه، وإنما ينتقل إلى شيْءٍ آخَرَ، وهو معاقبتُه، قَالَ تعالى:{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}[العنكبوت: ٤٦]، فالمُعانِد غَيْرُ مَن يريد اتّبَاعَ الحَقِّ، ولم يظهر له، والمُعانِد لَهُ حَالٌ، وَقَد قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}[الأعلى: ٩]، يعني: وإن لم تنفع فلا تُذَكِّر، وهذه تقدم الكلام عليها، وهذا الشرط لَيسَ لَهُ مفهوم.
فالأصل أَنَّك إذَا جادلته أمامَ النَّاس اتضح الحقُّ، وَلَكن إذَا تكلم بالباطل أمامَ النَّاس، وَجَبَ عليك إظهارُ الحق مُقابِلَ باطِلِه الذي يَنْشُرُه، فإن لم يقتنع بالحق الذي معك، فاعلم أنَّه لَا فائدة مِن جداله.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: اختلاف النَّاس في الضَّلال، فليسوا على حَدٍّ سَواء في الضَّلَال، كما أنهم لَيسُوا عَلَى حدٍّ سواء في الهدى، وليسوا على حَدٍّ سَوَاءٍ في الغَيِّ، وليسوا عَلَى حَدٍّ سَوَاء في الرُّشد، وَلهَذَا قَالَ:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ}.