للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَمْ يَقُلْ: إنك آمِنٌ. بَلْ قَالَ: {مِنَ الْآمِنِينَ}، وَهَذَا مِنْ مُرَاعَاةِ الفَواصِل، لكنَّ هَذِهِ المناسبة لفظيةٌ؛ لِيَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ آمَنَهُ، وليتذكَّر أَنَّ هُنَاكَ آمِنِين؛ فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ آمنون، فَإِنَّهُ لَا غَرَابَةَ أَنْ تأْمَنَ، أي: لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذا ذُكِّر بِمَا حَدَثَ لِغَير صَارَ أشدَّ طُمَأْنِينَةً فِي حُصُولِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، ونَظِيرُه بالعَكْس، هُوَ قَول فِرْعَون: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: ٢٩]، وَلَمْ يَقُلْ: لَأَسْجِنَنَّكَ، لِأَجْلِ أَنْ يُرْهِبَه بأنَّ عِنْدَهُ مَنْ هوَ مسجونٌ، وَأَنَّهُ ليْسَ يُعْجِزُنا أن نَسْجِنَك.

والحاصِلُ: أَنَّ مِثْلَ هَذَا يُقَالُ مِنْ أَجْلِ أَنْ يتذكر مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ هُنَاكَ أُناسًا آمِنِين، فيأمَنُ أكثرَ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَةُ الأُولَى: فِيهَا دَلِيلٌ أَنَّ مُوسَى كانَ من سُنَّتِه حَمْل العَصَا؛ لقوله: {أَلْقِ عَصَاكَ}.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى قُدْرةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لأَنَّه بمجرد أن ألقاها صارت تهتز {كَأَنَّهَا جَانٌّ}، فبِمُجَرَّد الإلقاء هَذَا دَلِيلٌ عَلَى الْقُدْرَةِ.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ؛ فِيهَا دَليلٌ عَلَى حِكمة اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أيضًا، حيث إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ مناسِبة لِمَن سيُقابِلُهم موسى، وهُمُ السَّحَرة، مُقابِل الآية هناك، وَهَذِهِ الآيَةُ مُناسبة تمامًا لهم؛ لأنَّهم سوف يَعْجِزُون عن مُقابلتها، كما حَصَلَ مِنَ السَّحَرَةِ حين آمَنُوا لِمَّا رأوا دليل صِدق موسى عَلَيْهِ السَّلَامُ.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ هَذِهِ العصا حركتُها سريعة؛ لأن الجانَّ مِن الحَيَّات هي التي عُرفت بالحركة السريعة.

<<  <   >  >>