هذه فائدةُ ذِكر إهلاك القُرى السَّابِقة لأَجْل أَنْ يُقالَ لقريش: الكفر لا يَمنَع الخوف، ولا يَمنَع العقوبة، بل إِنَّهُ سبب العقوبة، فأنتم تقولون: إننا إذا آمنا تَخَطَّفَنا النَّاس. هذا ليس بالحقيقة، بل العكس هُوَ الحَقيقَة، وَلهَذَا قَالَ:{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا}، فكأن اللَّه يُدَلِّل لتكذيب هؤُلاءِ بأن الكفر أهلكَ الأُمَم السَّابقَة التي بَطِرَت معيشتَها.
وقد أبطل اللَّهُ كلام هَؤلَاء الكُفَّار للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، لما قالوا:{إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} أبطله بالسلب والإيجاب:
أما الإيجاب: فقال: إننا مَكَنَّا لهم حَرَما آمِنًا لَا يُمكن أَنْ يَكونَ هَذَا البَلَدُ خائفًا، فَإذَا كَانَ آمِنًا في حَال الكُفر فَفِي حالِ الإِيمَان مِن بَاب أَوْلَى.
وأما السلب: فقوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا}،