مِنْهَا عَلَى حَذَرٍ، وعلى بُعد مِنْ هَؤُلَاءِ الكافرين.
ثُمَّ نَقُولُ أَيْضًا: إِنَّهُ لَوْ جَازَ عقلًا وعادةً، فقد يُنهى عنه شرعًا، فافرِض أَنَّ هَذَا أَمْر قَدْ يَجُوزُ للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَفْعَلهُ باعتبار العادة، أو باعتبار الحالة البَشرية، لَكِنَّهُ مِنَ الناحية الشَّرْعِيَّةِ لَا يُمْكِنُ، فَيَكُونُ عَائِدًا إِلَى الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- باعتبار الحال البشرية الطبيعية، أَمَّا شَرْعًا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ.
قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{ظَهِيرًا} مُعِينًا {لِلْكَافِرِينَ} عَلَى دِينِهِمْ].
الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا كَانَ معينًا للكافرين، لكنه يُنْهَى عَنْ أَمْرٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا منه، أو مُتَصَوَّرًا أَنْ يَقَعَ، كَمَا قَالَ تعالى أَيْضًا: {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [القصص: ٨٧]، مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُشْرِكَ، ولكنه نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ، فقيل: إن النهي هُوَ نهي لأُمَّته.
وقيل: بَلْ إِنَّ النهيَ نهيٌ حقيقي له، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَاقِعًا منه، وَالْفَائِدَة مِنْ ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[من فوائد الآية الكريمة]
الْفَائِدَةُ الأُولَى: أَنَّ الرَّسُولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَا كَانَ يتطلب الرِّسالَة، ولا خَطَرَتْ لَهُ عَلَى بَالِ، نأخذُه مِنْ قَوْلِهِ تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ}.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: بيان تكذيبِ الَّذِينَ قَالُوا: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل: ١٠٣]، فالكفار يقولون: إِنَّمَا يُعَلِّمُ محمدًا القرآنَ بَشَرٌ، فَلَوْ كَانَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- يتعلم مِنْ بَشَرٍ، لكان مُتطلعًا لِهَذَا الْقُرْآنِ، وَاللَّهُ يَقُولُ: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ}.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَحْمَةٌ لِلْخَلْقِ، رحمةٌ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute