للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، ففي الدُّنيا تستقر الأمور، وتصلُح أحوالهم، ويَعْلُو أمرُهم، وَفِي الآخِرَةِ يكونون فِي جنات النعيم.

فهذا القرآن رحمة؛ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَهُوَ أَعَظَمُ نِعْمَةً مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأعظم مِن نُزول المَطَرِ الَّذِي تحيا بِهِ الْأَرْضُ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ تحيا بِهِ الْقُلُوبُ، وتصلح به الأعمال، وبحياة القلوب والأعمال تحيا الأرض، قَالَ تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: ٩٦].

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: إثباتُ رُبوبية اللَّه الخاصة لِلرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، بقوله: {مِنْ رَبِّكَ}، فهذا يقتضي رُبوبيةً خاصة، كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَهُ عُبودية خاصَّة، فعُبوديته خاصَّة، ورُبوبية اللَّهِ لَهُ خَاصَّةً أيضًا.

وإذا شئتَ أن تعرف أنَّ الرُّبوبية نوعان، فاقرأ قَوْلَ اللَّهِ تعالى عَنْ سَحَرَة آلِ فِرْعَوْنَ الَّذِينَ آمَنُوا: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الشعراء: ٤٧ - ٤٨]، فالأُولى عامَّة، والثانية خاصَّة.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: مِنْ قَوْلِهِ: {فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ}، ففيه تحريمُ مُظاهَرَة الكفار، أي: مُعاونتُهم؛ لِأَنَّ النَّهْيَ للتحريم، لَا سِيَّمَا وَقَدْ أُكِّدَ بِنُونِ التوكيد؛ لأن النُّون هنا للتوكيد، وَالدَّلِيلُ عَلَى التوكيد أَنَّ الْفِعْلَ بُنِيَ عَلَى الفتح.

والمعاونةُ للكفَّار تكونُ معاونةً عسكرية، ومعاونة فِكرِيَّة، ومعاونةً مالِيَّةً ومعنوية، فكُلُّ مَا فِيهِ معاونة الكفار ومساعدتهم وتقويتُهم، فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ علينا -نحن المسلمين- العكسُ مِنْ ذَلِكَ، الوَاجِبُ عَلَيْنَا إذلالهم، وخَذْلُهم بِكُلِّ مَا نستطيع، بَلْ قَدْ قَالَ اللَّهُ لِلرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ٧٣]، وقال للمؤمنين: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ

<<  <   >  >>