ظُهورها اشتغالُ المحَلِّ بحركة المناسبة، أي مناسَبة حَرْفِ الْجَرِّ الزائد.
والإتيان بـ {مِنْ} هنا له فَائِدَةُ مَنْ حيث المعنى، وهي التنصيص عَلَى الْعُمُومِ، أي: مَا كَانَ لَهُ أَيُّ فِئَةٍ تَقُومُ بِنَصْرِه.
والفئةُ: الطَّائِفَةُ الَّتِي يَرْجِعُ إِلَيْهَا المرء، هذه الفئة مَأْخُوذَةٌ مِن فَاءَ يفِيءُ: إِذَا رَجَعَ؛ لأن الفِئة التي يَرْجِعُ إِلَيْهَا المرء لتُنَاصِره هي محلُّ فَيئِه، أي: محلُّ رُجوعه.
والمعنى: أنه مَا كَانَ لَهُ أَحَدٌ ينصره، حَتَّى ما جَرَتِ العادةُ بأنه ينتصر بهم.
وقوله: {يَنْصُرُونَهُ} النَّصر: المنعُ مما يَضُرُّ، وقوله: {مِنْ دُونِ اللَّهِ}: {دُونِ} هُنَا بِمَعْنَى غير، فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ بأسُ اللَّه، ما نَفَعَتْهُ زِينَتُه، ولا مَنعَه جنودُه؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ الْقُوَّةُ الكاملة، والقُدرة العظيمة.
قَوْلُه تعالى: {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ}: (مِن) أي: مَا كَانَ أَحَدٌ ينصره، وَلَا هُوَ أَيْضًا انتَصر بنفسِه، فصار ضعيفًا بنفسه وبِغَيْرِه، فقوله: {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ} أي: مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمن عذابِه، بل أصبحَ عاجزًا وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، مخسوفًا به.
[من فوائد الآية الكريمة]
الْفَائِدَةُ الأُولَى: بيانُ قُدْرَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: التَّحْذِيرُ مِنَ التعالي والبغي عَلَى الْخَلْقِ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ اللَّهَ تعالى إِذَا أَنْزَلَ العقوبةَ بأحدٍ، فَلَيْسَ لَهُ ناصرٌ دُونِ اللَّهِ، ولو عظُمت قُوَّتُه، وكَثُرَ جُنْدُه؛ لقوله: {فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ}.
* * *
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute